Samstag, März 31, 2007

تغيير إسم كوردستان إلى كوردلاند .. رداً على مقالة الاستاذ خالد القشطيني


كتب الأستاذ خالد القشطيني مقالا في صحيفة الشرق الأوسط يقترح فيها تغيير إسم{ كردستان }الى{ كردلاند }بعد أن قررت حكومة أقليم كردستان جعل اللغه الأنكليزيه اللغه الثانيه بعد الكرديه في جميع مراحل التعليم . وقد تجاوز كثيرا حدود اللياقه الأدبيه في مجال النقد البناء والمقبول الى حد إظهار ما في نفسه من حقد وكراهيه على كل ما هو كردي، حاله في ذلك للأسف الشديد حال الكثير وعذرا لا أقول الجميع من إخواننا العرب ، خاصة المثقفين فمهما أظهروا تعاطفهم مع آمال وطموحات شعبنا الكردي المشروعه وحقه في إختيار نوعية حياته وتقرير مصيره فانهم وفي لحظة ما يكشفون عن حقيقة ما في نفوسهم من حقد على هذا الشعب ، هذا الحقد الذي ينبع من الأنانيه والتعصب القومي الشوفيني الذي يصل الى حد الكراهيه لكل ما هو ليس عربي. وخير مثال على كلامي هو أستاذنا خالد القشطيني فقد سبق له أن كتب بعض المقالات تهجم فيها على الأكراد وعندما جوبه برد لم يكن يتوقعه من المئات من المثقفين والمخلصين من أبناء شعبنا الكردي حاول تغيير موقفه وإبداء تعاطفه وتفهمه للقضيه الكرديه من خلال بعض المقالات محاولا التقرب من الأكراد وتحسين صورته لديهم. لكن يبدو بأن الأ ناء يأبى إلا أن ينضح بما فيه فقد كشف أستاذنا القشطيني من خلال مقاله الأخير عن صورته الحقيقيه السوداء التي حاول جاهدا إخفاءها وموقفه الحاقد على ألأكراد وقضيتهم العادله. فبدأ يعيب على الأكراد إعتمادهم للغة الخواجات بدلا من لغة القرآن ، ويذكرهم بأن شكسبير أو شيخ زبير كما أسماه أستاذه الخالصي وأيضا هاملت لم يكونا كرديين ، ويتحدا الأكراد أن يثبتوا ذلك ليكون مبررا لتعلم لغتهم وإعتمادها كلغه ثانيه . حقيقة لقد أضحكني مقال الأستاذ كثيرا لأنه أعطاني معلومه جديده كنت أجهلها تماما وهي أن االشاعر والأديب والمسرحي العالمي الكبير شكسبير الذي كنت أعتقد بشكل جازم بأنه إنكليزي تبين لي أخيرا بأنه عربي ومن نفس قبيلة وعشيرة وربما عائلة الأستاذ القشطيني ، وبما أنه إذا عرف السبب بطل العجب فقد علمت الآن لماذا يعيش القشطيني في بلد أبناء عمومته هاملت وشكسبير العربيين وبين أحضان الخواجات في لندن ويتكلم لغتهم. لكني فقط أريد أن أذكره وربما يتذكر الكثير من الأخوه القراء بأن أستاذنا القشطيني وهو العربي ايضا سبق وأن كتب مقالا ونشره على نفس الموقع ونفس الحقل من صحيفة الشرق الأوسط ذكر فيه بأنه سينسى بأنه عربي وسيعلم أبنائه اللغه الأنكليزيه ويجعلهم ينسون بأنهم عرب، بل قال الحمد لله إن أولادي لايتكلمون العربيه ، فأي نفاق هذا يا أستاذ قشطيني . لا يا أستاذ، شكسبير لم يكن عربيا وهاملت لم يكن عربيا ولا تستطيع أن تجعلهما عربيين بجرة من قلمك ، ويالرغم من إنهما كبيرين وأغنوا البشريه بنتاجاتهما الفكريه ، لكن الأمه العربيه ليست بحاجه اليهما بل هي في غنى عنهما ، لأن الأمه العربيه ومن خلال مسيرتها التأريخيه الطويله أنجبت وأهدت للبشريه والأنسانيه الكثيرمن العلماء والمفكرين والأدباء الذين هم بدون أي شك لايقلون عن مستوى الأديبين الأنكليزيين بل ربما يتفوقون عليهمم في كثير من المجالات ولازالت الأنسانيه الى يومنا هذا تستفيد من إبداعاتهم ونتاجاتهم . أما نحن الأكراد فبالرغم من إحترامنا الكبير لشكسبير و هاملت و إعتزازنا بهما وتقديرنا العالي لنتاجاتهما، لكننا لسنا بحاجه لنجعلهما كاكه شكسبير أو هاملت آغا ، أو لنقول بانهما كانا كرديين ونتخذ من ذلك سببا لتعلم لغتهم فنحن أيضا كان ولا يزال لدينا الكثير من الأدباء والعلماء والمفكرين الكبار . أن اللغه الأنكليزيه هي لغه عالميه وهي اللغه الأولى للتواصل والحوار والتعامل مع كل دول العالم . حتى ان الكثير من الدول الأوربيه قد جعلت منها اللغه الثانيه في بلدانها ، وأذكرك بأن جميع الدول العربيه أيضا قد جعلت اللغه الأنكليزيه اللغه الثانيه في بلدانها وهي لا تكف عن إرسال أبنائها وموضفيها الى إنكلترا بلد أبناء عمومتك الخواجات لتعلم لغتهم . نحن الأكراد لم نتنكر يوما للأمة العربيه ولم نتنكر للغتها ولا لدينها، بل نحن أكثر الشعوب تمسكا بها وتقربا منها وتفهما لها، وكنا دائما والتأريخ البعيد والقريب يشهد سندا للأمة العربيه وعونا لها في كل الضروف، وقفنا بحزم الى جانب كل قضاياها القوميه العادله، وقدمنا الشهداء من أجل تحرير العراق وسالت دماء أبنائنا على أرض فلسطين وفي الجولان وسيناء، ولكن بالمقابل لم نحضى من الأمة العربيه سوى نكران الجميل وكافة أشكال الظلم والأضطهاد وتجاهل قضيتنا العادله ومسيرتنا النضاليه الطويل المخضبه بدماء الشهداء والوقوف الى جانب أعداء شعبنا بل وحتى دعمهم ومساندتهم. وبالرغم من ذلك فاننا لم نكره الأمه العربيه في يوم من الأيام ولم نحقد عليها ولم نحاربها. والآن أيضا فان جميع قيادات شعبنا الكردي وفي مقدمتهم رئيس أقليم كردستان الأخ مسعود برزاني يؤكدون دائما على الأخوه العربيه الكرديه ونسيان الماضي بكل مآسيه وفتح صفحه جديده من العلاقات البنائه والمثمره والمبنيه على الأحترام الكامل المتبادل لينعم العراق والمنطقه بالسلام والأستقرار الذي حرم منه ردحا طويلا من الزمن . والآن يأتي الأستاذ خالد القشطيني ليدلي بدلوه المثقوب ويروج لبضاعته الكاسده التي نتمنى أن لايتجاوز صداها عقليته المريضه ومخيلته التي لاتزال تعيش في الماضي رغم ما وصلت اليه الأمور وما تطورت اليه الأحداث ، ولا يستطيع أن ينظر الى كردستان لأنها تحرق عينيه وتصيبهما بالعمى بعد أن أصبحت كالشمس الساطعه. أقول له الحمد لله إن كلمة ستان ليست عربيه لكي تعيبنا عليها وتطلب منا أن نستبدلها بكلمة لا ند الأوربيه ، ولكن أأكد لك بأن كردستان لو كانت ملحقه أو مقاطعه تابعه لأية دولة أوربيه لكانت ومنذ زمن بعيد تنعم بالأستقلال الكامل وكان علمها الجميل يرفرف عاليا بين أعلام الدول الحره المستقله. أما كلمة كردستان فهي أجمل وأحلى كلمه على قلوب كل أبنائها وأينما نعيش فكردستان تعيش في قلوبنا وتتربع عليها ، وقد حاولت كل الأنظمه التي تعاقبت على الحكم في العراق والتي كانت ولاتزال تتكلم اللغه العربيه أن تمسح هذه الكلمه أو تغيرها وإستخدمت من أجل ذلك كل الوسائل المشروعة والغير مشروعه، حتى وصلت الى تهديم وتخريب آلآف القرى والمدن الصغيره ومحو آثارها وإسخدام كل الأسلحه الفتاكه والمحرمه دوليا كالأسلحه الكيمياويه لأبادة سكانها وتغيير أسماء ما تبقى من القرى الى أسماء عربيه . لكن بالرغم من كل ذلك فلم يتمكنوا من أبادة هذا الشعب ولم يتمكنوا من تغيير إسم كردستان ولا إنتزاعها من قلوب أبنائها المحبين الذين صبغوا جبال ووديان وسهول كردستان بدمائهم الزكيه وقدموا الكثير من قوافل الشهداء من أجل أن تعيش كردستان وتبقى خالده. والآن والى الأبد فأبناء كردستان على أتم الأستعداد للتضحيه بكل غال ونفيس وحتى الروح من أجل أجمل وأعز وأحب كلمه ووطن كردستان. كردستان التي تسير بخطى وطيده وراسخه وبتعاون تام بين أبنائها المخلصين وقياداتهم الحكيمه والحبيبه وبدعم من كل دول العالم الصديقه خاصة الأوربيه، تسير نحو الأستقلال التام لتكون دوله حره مستقله شانها شأن اية دولة في العالم وسيكون إسم هذه الدوله دائما وأبدا،،،،، كردستان ،،،،،، وستكون دولة صديقه لكل الدول العربيه التي تحترم كردستان وشعبها ، وسيبقى الشعب الكردي يحترم الأمه العربيه بلغتها ودينها الذي ندين به ونعتز به بالرغم من تعلمنا الأنكليزيه لغه الخواجات كما أسماها الأستاذ خالد القشطيني ، أما نحن فنسميها لغه عالميه ، لغة الحوار والتعامل والتواصل مع كل دول العالم. أما كلمة كردلاند التي إكتشفها ويحاول أن يروج لها الأستاذ فستبقى معشعشة فقط في قاموس ومخيلة الأستاذ القشطيني . محمد شمس الدين البريفكاني المانيـــــا
المقالات المنشورة تعبر عن وجهة نظر اصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

Sonntag, März 11, 2007

كُردستان: المثقف السلطوي في خدمة الاستبداد

علي سيريني
ترتبط السياسة في عالم الشرق بالاستبداد والقسر الاجتماعيين. بيد أنّ الاستبداد والقسر نفسهما، يرتكزان بوثوق على مسألة شديدة الغربة ألا وهي الإهمال. والإهمال إذا كان في جُلّه صفة تاريخية لمنطقتنا، فهو إلى ذلك يغدو في ثباته مصدرا مهما للاستبداد السياسي، الذي يستلهم تصوراته وأعماله منه في جاذبية كائنة بين قطبين يستند قيام الواحد منهما على الآخر.
وكارثة الاستبداد السياسي تكمن في هذا المطبّ، على أنّ السياسة وهي شأن عام، تنزل في مستواها الاجتماعي والاخلاقي الى درك يجعل من تصور أحدنا نحوها، وكأنّ ذلك فساد حتمي ينبغي امّا الرضوخ إليه أو الابتعاد منه في ما يتصل بفكرة السلامة؛ سلامة الحياة أفرادا وجماعات. على أنّ النقيض في هذه المباهلة النظرية ينسف منطق المعادلة بشرط ثابت وأكيد، انّه لاحياة ولاسلامة مع الاستبداد السياسي. والمعادلة القائلة بالرضوخ أو الابتعاد هي التشكيلة النهائية لـ (العقل) الذي لايأبه بالمجتمع وأبعاده الحياتية، والمستقبل الذي من الممكن الوصول اليه عبر قنوات التطور وشبكاته ومناحيه الحيوية. وعلاقة الاستبداد السياسي بالمجتمع تتأسس على ماهو مشترك بين كلا الطرفين الاهمال / وأو التهميش.
يتغذى الاستبداد / الظلم السياسي، من الفراغ / وأو الفراغات الكبيرة والكثيرة داخل المجتمع. فغياب مجتمع واعٍ وعدم وجود طبقة مثقفة، متزنة وراشدة، لا تبيع أهوائها إلى السلطة ولا تبوِّئها مكانا في رؤيتها وقراءتها لأحوال المجتمع إلى أسباب وعوامل أخرى إذا لم تكن موجودة داخل المجتمع، تتحول السلطة ــ أي سلطة كانت ــ إلى أداة تلوي عنق الأفراد بالقهر والحرمان.
الا ان المجتمعات التي الّفت النظام الاستبدادي لأزمان طويلة، يتحول فيها غالبية (المثقفين) الى جيوش عاطلة عن العمل تبحث لنفسها عن المصالح القصيرة المدى والتي تتمحور في البحث عن الطعام ومتطلبات العيش الأخرى ! ومن هنا يتعامل النظام الاستبدادي مع المثقفين على أساس تصنيفهم الى قسمين: الذين هم معه، واؤلئك الذين يقفون ضدّه. الاّ ان القسم الاخير لايتجاوز عددهم نفرا قليلا في أغلب الاحوال.
واذ يحسب النظام للفئة الثانية حساب الهيبة والوجل، ويحاربها بالترهيب والحرمان، يتعامل مع السواد الأعظم الذين يشكلون فئة الموالات، كما يتعامل هواة البغاء مع عاملاتها.
ومن هنا ينشأ سوق بين النظام و (المثقفين) على أساس العرض والطلب، لايختلف فيه النظم والقوانين عمّا يجري في أسواق اخرى اشرنا بايجاز الى نوع منها آنفا، وهو الاقرب الى طبيعة العلاقة بين هذين الجهازين.
وفي الوقت الذي لايمكن فيه طمس الحقائق يتأتى دور المثقف الموالي في أجبن حال وأثخن جهل لتبرير ظلم ووحشية السلطة وتمييع القضايا الجوهرية التي تشكل المشترك العام في المجتمع، كما هي الحال بين المثقفين والأحزاب الكردية منذ عام 1991 أي التاريخ الذي حرر فيه االكُرد وطنهم و شكلوا على الأرض حكومة شبه مستقلّة.
كنا قد أشرنا بلمحة الى تكوين الاستبداد في الفراغات التي تنشأ في المجتمع، الاّ ان أهمّ عامل أساس في هذا المضمار هو دور (المثقفين) الذين يعرضون امكانياتهم (وهي دائما فقيرة وباهتة بالمناسبة) للبيع لقاء الشهرة، وبريق المال.
وسنتحدث بشيء من التفصيل عن دور هذا النوع من المثقف في تهيأة البطانة للسلطة كي تُهمَّش القضايا الجوهرية في أجواء تدفع بالعوام الى اهمال الشأن السياسي، وتشجع السلطة في تهميش المصالح العامة، وتسخير امكانيات المجتمع لصالح فئات معدودة وقليلة، يُتقطع جزءٌ منها لاولئك (المثقفين) الذين يشكِّلون الجنود المختفين في حصان طروادة لاقتحام المجتمع. ولسوء حظ المجتمعات المتخلّفة يشكل هؤلاء المثقفون الحماة الابرز والاهم للسلطة، ومن اهم الاسباب التي تطيل في عمر الاستبداد السياسي.
ومن ابرز صفات المثقف السلطوي انه لايملك اي عمق ثقافي او معرفي وهو كذلك لاينطلق من قضايا وهموم اجتماعية عامة، ولايبحث في هذا المضمار متسلحا بثقافة العلم ؛ بل يتكون هذا الصنف المريض ــ كما تنمو الطفيليات ــ بين التهريج والتّطفُّل على مذاهب العلوم والمعارف. واذ يكبر هذا الصنف وينتشر بسرعة داخل المجتمعات التي تخلّفت عن ركب الحياة، الاّ أنّه يُهمّش كاملا في مجتمعات الرقي والتحضُّر، او لاينمو اساسا لاعتباره فاسدا لايصلح لاحوال المجتمع وتقاضياته.
يتمتع رجال السلطة ببرودة كبيرة في الاحساس بالقضايا العامة والهموم المشتركة للمجتمع. فرجال السلطة في البلاد المحكومة بالفوضى والتخلف (مثل كردستان) لايهمهم اذا كان افراد مجتمعهم يتمتعون بالحقوق المعروفة في القوانين العالمية، وكذلك لايهمهم اذا كان وطنهم يمضي على سكة آمنة ونحو أفق مُضىءٍ أو لا. فدولة الرجل المستبد تقتصر على نفسه وحاشيته وعشيرته ومسكنه وامواله المودعة في خزائن دول بعيدة.
ومفاهيم السياسة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية تُختزل في استهلاك مملّ وميت، لاتقوى على صنع شيء سوى ما يمدّ في عمر السلطة في استهلاكه اليومي.
ولذلك فحين تموت السلطات القسرية والمتخلفة، لا تترك ورائها سوى كومة فارغة من العبث الذي كان يباع للمواطنين عبر مؤسسات عامة كالإعلام وما شابه، تحت غطاء الثقافة، السياسة، النضال ! اي انّ كردستان منذ ستة عشر عاماً لم تأتي بجديد يختلف به ضمناً عن السلطة الدكتاتورية للنظام السابق والأنظمة الأخرى في المنطقة التي لا تزرع سوى بذور الظلم والظالمين.
ومقابل برودة الإحساس السلطوي هناك غليان شعبي عارم يواجه الغبن والسطوة والقسر والإبعاد. ويأتي دور المثقّف السُُلْطوي كسمسار محترف بين هاتين الضفتين، ضفة برودة السلطة وضفة الغليان الشعبي. فيقوم المثقّف السُلْطوي بتمديد أحوال الإهمال المزدوج / التخلف إلى إشعار أُخر، يزيّن في خلالها تجاعيد الوجه السياسي للسلطة ويلبّس إهمال السلطة لباس النفاق والتزييف عبر تعرُّجات وتموُّجات كثيرة معروفة لدى العامة. ويقوم هذا الكائن المنافق بهذه الخدمة الإجرامية لإخماد الجماهير، من اجل الطّواف حول السلطة المستبدة طمعاً في نيل رضاها وعطائها الخسيس.
وفي المقابل يعرف اهل السلطة طبائع هؤلاء المثقفين وخفّتهم بالسلطة واهلها. فيمدونهم بالقليل من المال والمتع في حالٍ يشبه التصدّق على السائلين.
وفي مقابل ذلك يتمكن المثقف السلطوي من التأثير في الجماهير وتيئيسها حتى تبلغ قدراً لاتهتم فيه بالسياسة الاّ كسامع وشاهد أخرس !
وحين تبلغ الجماهير مبلغا كهذا تفقد ثقتها وتصبح شكّاكة في كل أمر. وتؤمن إيماناً شديداً أنّ كل ما يجري إنما يكون وفق مؤامرة مسبقة. وهكذا يصبح أي قوة فاعلة داخلها نحو التغيير والثورة على الظلم مكبوتة ومضروبة في الصميم،بل وأي إرادة كامنة تفلَج قبل ولادتها.
والمصدر الاساس لهذا التورم المزمن، هو تكرار التجارب السيئة بين الجماهير والمثقف السلطوي. فهذا الأخير حين يلهج لسانه بالديموقراطية والحريات الفردية، وحقوق الإنسان، ثم يعرض نفسه للبيع بثمن أبخس من الأغراض الشخصية للرجل السياسي تتحول ثقافته، كلُّ ثقافته، في عين السياسي جزءًا من ممتلكاته الشخصية كالأثاث والكماليات التي تزيّن بيته أو مكتبه أو ما إلى ذلك !
وفي عين الجماهير تتحول ثقافته إلى نفاق وتجارة رخيصة، وعبرها تنظر الجماهير (السواد الأعظم من الناس) إلى الثقافة بكل أبعادها وامتداداتها كأنّها سوق بيع وشراء العبيد (المثقفين). أو في حال أفضل وأرحم إلى مهنة لكسب القوت لدى الضعفاء، الذين لا يقوون على توفير الحياة إلاّ بجعل كفِّ أهل السلطة مرمىً لأعينهم الآبقة !
كنّا نأمل في أن تكون تجربة كُردستان فريدة، ليس للكُرد فحسب وانما للمنطقة برمتها في غمار التقلبات السريعة التي تعصف بالمنطقة. ومنشأ الأمل كان مرتبطاً بهواجسنا أنّ شعباً أضطهد بيد حكام ظالمين من عرب وأتراك وإيرانيين سيغير وجهة السلطة لامحال نحو برّ السلامة والأمان كانعكاس لصفات المناضل الكادح المغدور، ضد الظلم والطغيان. ما حدث في أجمة التحولات الخطيرة والقاتمة أن السلطة الكردية كانت تستنسخ في الأثناء ما كانت أنظمة الحكم الجائرة في المنطقة تعمل لا مبالية بتحويل بلادنا إلى جحيم. أمّا رهاننا وآمالنا فاختلطت بعذاباتنا تذروها الرياح.
والحال أنّ ما حدث لنا كشعب مُضطهد سابقاً أمسينا اليوم نقبع تحت أعباء مظالم أخرى اشدّ إيلاما. وبدل أن يقوم المثقف الكردي بالانكباب على مشاريع جوهرية تأخذ بيد شرائح مجتمعه المنكوب نحو السعادة والتقدم، أمسى جندياً آخر في رباط الأحزاب التي لم تذر على الأرض من فعل لإلغاء وجود الآخرين من الكُرد في حرب مستمرة وبدعم دول الجوار التي يصفها المثقف الكردي بالمعادية! وهذا النوع من المثقف يطلب منّا كأفراد ننتمي لحماً ودما إلى بلادنا أن لا نُسئ إلى السلطة الكردية ودوائرها لأن ذلك يدخل في باب الخيانة القومية. وعليه يجب أن نرفع صوتنا عالياً، متراصين في صفوف الهوجاء القومي، بالأناشيد التي تمجدنا وتنال من الآخرين على غرار السلطات الشمولية، لكي نبرهن أننا لسنا خونة. ولكي نكون كتّاباً صادقين لا ينبغي أن نقول شيئاً يشمت فينا العدو (المختلف قومياً). هكذا يفكر المثقف السلطوي الكردي في القرن الواحد والعشرون. ومثال المثقف الكردي هو نفسه داخل الأقوام الأخرى من العرب والأتراك والفرس...وآخرين!
وأخيراً فإننا لا نقصد بالمثقف السلطوي الكائن الذي يسترزق من دوائر السلطة فقط. بل كلّ من لا يقدر على التفكير خارج ما يملى عليه في فضاءات الشمولية الملتهبة اليوم في منطقتنا، فهو مثقف سلطوي لا يخدم إلاّ الاستبداد والخراب
.

أسرار الأحقاد في بلاد الأكراد

علي سيريني

الحقد والكراهية شر مستطير. وأي مجتمع أبتلي بهذا النوع من الأمراض تنحصر الحياة فيه تدرجاً واطراداً في القتامة والبؤس واليأس والظلم.
كلّما ضبطنا هوجاء العاطفة اقتربنا شبراً من ميزان الاعتدال والاتزان. ومعرفة الأمور وقواعد المسائل ومنها تشخيص الأمراض والآفات، يعوزها الهدوء والعقلانية والتفكير العميق.
في المجتمعات التي عاشت بمعزلٍ عن التداول الثقافي والتطور والنمو الوليد من الصيرورة: صيرورة الحياة التي تقتضي حتماً خضوع الأشياء والمواضيع لوجودها وقيامتها، تندرج مفردات الحياة ضمن مدلولات عامة لا تُعير العقل السليم أي قيمة، ولا تخضع لمنطق الأشياء والقواعد المتفق عليها إنسانياً، وفي خلال التجربة والاكتشاف البشريين على أسس العلم. أي أن المنظور العام في المجتمعات المبتلية بآفة التخلف، يشبه شبّاكاً معتماً ومضبباً، لا يقدر الواحد على التبصر والمكاشفة خلاله إذعاناً لمفهوم عام أن كلّ ما يجري إنما تقدير حتمي ونصيب مفروض ينبغي المضي فيه كيفما كان وكيفما أتى. هذا النوع من الاعتقاد العام يتحول بمرور الزمن إلى جدار عازلٍ بين الأفراد/المجتمع والإرادة الحقيقية نحو التغير السليم واستشفاف البدائل كتناغم مطلوب مع الصيرورة التي هي منطق الحياة. وتغدو الحياة على هذا المنوال تكراراً ودوراناً في حلقات دائرية لا يكون الجديد فيها إلا استنساخاً للقديم، وكلّ مُقبلٍ يظل مرآةً للمُدبر. وأي اعتقاد كبُر بمضي الأيام وساد في المجتمع يتحول إلى جزء لا يتجزأ من كينونته وبنيانه. وفي ذلك - وعلى درجة كبيرة – يستوي الأفراد بغض النظر عن مستوياتهم العلمية والمعرفية والمعيشية، لذلك يمسي الإصلاح بمثابة صرخات على شواطئ البحار لا صدى لها.
الحقد والكراهية والحسد والغيرة العمياء هنّ آفات ابتليت بها مجاميع الكُرد. هذه الآفات بنيوية الخَلق، مرتبطة عضوياً بالتكوين الاجتماعي وبالعمق الكينوني لتجربة أولئك الناس التي هي إفراز دينامي لتعاملهم مع الحياة والطبيعة، ذلك التعامل المقتصر على دوائر ضيقة غير متماسّة مع التحضر.
الكرد مجتمع مكون من القبائل والعشائر والطوائف المعزولة عن بعضها البعض شعورياً وثقافياً واجتماعياً. والنظام الذي تقوم عليه الأشياء، ويؤسس لمفردات الحياة في تراكمٍ متكدس في الوسط الكردي، هو نظام الإقطاع، أي نظام (الآغا) والرعية.
هذا النظام يحطُ من شأن الإنسان، ويعمّق الفواصل بين طبقات المجتمع. وبما أن الكرامة هي من فطرة البشر، فان الإنسان بغض النظر عن لونه وهويته ظل دوماً ساعياً وراء الحصول على الكرامة والرفعة والاحترام من الآخرين، من دون أي فروقات ترفع من شأن بعضٍ وتحط من شأن آخرين. الأديان والفلسفات والمواثيق العالمية لحقوق الإنسان تثبت وتؤكد مساواة البشر في الكينونة والذات والكرامة.
نظام الآغا يقف على نقيض هذه الاستنتاجات والمقررات وتلك الفطرة التي نشأ عليها الإنسان. فالآغا ينظر إلى رعيته كمخلوقات دونية خاضعة لإرادة الخالق الذي اقتضت مشيئته وجود سيّد وعبيد، وعليّ ودنئ، وكبير وصغير!
ومقومات الذات ومفاهيم الحياة تخضع لأوهام الآغا ومعادلاته وترّهاته في المجتمع الكردي. فهو الذي يحط من شأن الناس على أبعد حدود، ويصغر حتى من أسمائهم ويطلق الألقاب الدنيئة عليهم كأنّ البشر ما هم إلا أدوات ووسائل مخلوقة لشهواته.
لذا فليس غريباً أن يتحول الآغا إلى موضة ومقياس للجمال والرفعة والأبهة بين الناس في العالم الكردي. وعلى هذا الأساس نشأت ظروف مشحونة تولّد الأحقاد والضغينة بين أفراد المجتمع بين الآغا والرعية وكلّ من يقوم على هذه التخوم بتفاوت حسب درجات قربه وبعده من كلا الطرفين.
وبما أن هذا النظام مريض جداً يتحول دوماً إلى مكامن لخلق الأزمات والأمراض المعدية التي تفتك بالأجيال. ولكن بما أن الإنسان كما قلنا يسعى نحو المزيد من الكرامة واحترام الذات اللائقة به، ينفر من النظام الطائح بهذه المبادئ السامية. والنفور بالضرورة لا يعني إيجاد فرصة سليمة حتماً حتى ولو كان ذلك صحيح المنطلق وسليم الحركة. لنأخذ مثالاً على ذلك، إن مجاميع كبيرة من التركمان في مدينة أربيل هم من أكراد هاجروا ونزحوا من القرى ( نظام الآغا: السيادة والعبودية) واستقروا في المدينة هرباً من الآغا وقيمه المنافرة للطبع الإنساني السليم. طبعاً هناك تكوين تركماني أصيل في البلد منذ القديم. إن أول محاولة لجأ إليها هؤلاء الهاربون هو التخلي عن الروابط التي تربطهم بالدائرة التي تمردوا عليها ومن ضمنها وأهمها اللغة.
إلا أن الأمر لم يستقر على هذا النحو. فالأحقاد بدأت تتململ من جديد بين التكوين الجديد والقديم على أسس أخرى ربما أخذت وتأخذ أحياناً أبعادا خطيرة على المستوى السياسي والاجتماعي والقومي!
هذا لا يعني إلغاء التركمان الذين لهم خصوصيتهم. فهم سكان هذه المنطقة وساهموا في بناء حضارة الشرق شأنهم شأن الآخرين من الكرد والعرب والفرس والآشوريين...لكن هذا موضوع آخر. فنحن هنا بصدد دراسة النظام السائد في كردستان الذي يحول عقبة عظيمة أمام تطور المجتمع هناك.
وكلما امتد الزمن أصبح هذا النظام المريض يتعاظم ويتقمص في المستجَد من الظروف والسياسات التي أتت وتأتي على المنطقة. فالآغا أو رئيس العشيرة أصبح يتمرد على السلطة ثم يتحول تمرده إلى حركة قومية. والآغا أصبح ممثل الناس لدى السلطة وحكومات المنطقة، وأمسى هو الذي يتعامل مع الدول التي تتدخل في سياسة المنطقة في أوقات مختلفة من الصراع والعلاقة. والآغا أصبح القوة الاقتصادية والبشرية، وبذلك تحول إلى مركز يُحسب له حساب. وكردستان اليوم للأسف الشديد هي بؤرة وساحة لمراكز القوى المتخلفة التي لم يغير من طبيعتها الاستحواذ على السلطة السياسية، والإعلامية، والثقافية. فهذا كله يجري ضمن الإدامة بتطور هذا النظام واستلابه على مجرى الحياة. والمفارقة أن الآغا هو ذلك الكائن الذليل أمام الأجنبي ( كلّ ما هو غير كردي / محلي) ،لكنه ليس سوى متكبرٍ شرير أمام بني قومه. وبمرور الزمن وفي خلال التقلبات ذات استقرار في الطبيعة والنوع، تعاظمت الفجوة بين المجتمع وهدفه من الحياة على أسس الكرامة الإنسانية. وأمسى الفرد الكردي ضائعاً في متاهات الحياة وصعوباتها الجمّة في مفازات العبث السياسي والاجتماعي الذي وقف حائلاً بين نمو الفرد وتقدم المجتمع وبالتالي فان الحقد والكراهية والحسد واليأس أصبحن من الأخلاق الثابتة للأفراد، وعلائق المجتمع المصيرية. وبمعنى آخر فان الفرد في المجتمع الكردي نظرا لعدم تحقيق ذاته وحاجاته كانسان في ظل هذا النظام الموبوء يتحول إلى مخزن للأحقاد والضغينة كردّة فعلٍ ضد استحقاره كانسان. ولعلّ هذا هو السبب في ما هو مشاع الآن في الوسط الكردي الثقافي الموسوم بــ ( لا انتماء الفرد الكردي إلى كردستان).
ومن هذه الزاوية يمكن قراءة التاريخ السياسي الكردي قراءة دقيقة وعميقة في تشعباتها وطلاسماتها المتشابكة التي هدمت فحوى البنية القومية لتكوين ثقافي متفرق وهائم، قدّم ويقدم التضحيات الجسّام دون بلوغ المرام. وعلاوة على العلل التي ذكرناها فان انعدام وجود التمدن في حركة المجاميع الكردية جعل من الحياة السياسية حكراً على العشائر والقبائل الساكنة في بادية الجبال على العموم. فالمدينة في كردستان كنمط بدأت تتبلور بعد النصف الثاني من القرن الماضي. وأبناء المدن نظراً للضعف الثقافي بقوا بمنئى عن النشاط السياسي، فاضطر الأكراد إلى الإنضواء تحت قياداتهم العشائرية لرفع المطاليب القومية. إلا أن المدينة بدأت تتهدم كنشاط بشري وثقافي في الآونة الأخيرة نظراً للاتساع غير المنتظم واقتصار مفهوم المدينة على الإسكان فقط من دون وجود تمدن حقيقي. وعبر هذا العرض نقدر كبداية أن نقف على الشرفة ونطلّ من خلالها على أزمات ومشاكل الكرد كمحاولة للاقتراب من التشخيص، تشخيص الأمراض والأزمات والجراحات بهدف خلق واحة هادئة لطرح ومناقشة الحلول والرؤى التي تساعدنا جميعاً كبشر.
هذا هو هدف هذا المقال والمقالات السابقة في الشأن الكردي
.