Sonntag, März 11, 2007

أسرار الأحقاد في بلاد الأكراد

علي سيريني

الحقد والكراهية شر مستطير. وأي مجتمع أبتلي بهذا النوع من الأمراض تنحصر الحياة فيه تدرجاً واطراداً في القتامة والبؤس واليأس والظلم.
كلّما ضبطنا هوجاء العاطفة اقتربنا شبراً من ميزان الاعتدال والاتزان. ومعرفة الأمور وقواعد المسائل ومنها تشخيص الأمراض والآفات، يعوزها الهدوء والعقلانية والتفكير العميق.
في المجتمعات التي عاشت بمعزلٍ عن التداول الثقافي والتطور والنمو الوليد من الصيرورة: صيرورة الحياة التي تقتضي حتماً خضوع الأشياء والمواضيع لوجودها وقيامتها، تندرج مفردات الحياة ضمن مدلولات عامة لا تُعير العقل السليم أي قيمة، ولا تخضع لمنطق الأشياء والقواعد المتفق عليها إنسانياً، وفي خلال التجربة والاكتشاف البشريين على أسس العلم. أي أن المنظور العام في المجتمعات المبتلية بآفة التخلف، يشبه شبّاكاً معتماً ومضبباً، لا يقدر الواحد على التبصر والمكاشفة خلاله إذعاناً لمفهوم عام أن كلّ ما يجري إنما تقدير حتمي ونصيب مفروض ينبغي المضي فيه كيفما كان وكيفما أتى. هذا النوع من الاعتقاد العام يتحول بمرور الزمن إلى جدار عازلٍ بين الأفراد/المجتمع والإرادة الحقيقية نحو التغير السليم واستشفاف البدائل كتناغم مطلوب مع الصيرورة التي هي منطق الحياة. وتغدو الحياة على هذا المنوال تكراراً ودوراناً في حلقات دائرية لا يكون الجديد فيها إلا استنساخاً للقديم، وكلّ مُقبلٍ يظل مرآةً للمُدبر. وأي اعتقاد كبُر بمضي الأيام وساد في المجتمع يتحول إلى جزء لا يتجزأ من كينونته وبنيانه. وفي ذلك - وعلى درجة كبيرة – يستوي الأفراد بغض النظر عن مستوياتهم العلمية والمعرفية والمعيشية، لذلك يمسي الإصلاح بمثابة صرخات على شواطئ البحار لا صدى لها.
الحقد والكراهية والحسد والغيرة العمياء هنّ آفات ابتليت بها مجاميع الكُرد. هذه الآفات بنيوية الخَلق، مرتبطة عضوياً بالتكوين الاجتماعي وبالعمق الكينوني لتجربة أولئك الناس التي هي إفراز دينامي لتعاملهم مع الحياة والطبيعة، ذلك التعامل المقتصر على دوائر ضيقة غير متماسّة مع التحضر.
الكرد مجتمع مكون من القبائل والعشائر والطوائف المعزولة عن بعضها البعض شعورياً وثقافياً واجتماعياً. والنظام الذي تقوم عليه الأشياء، ويؤسس لمفردات الحياة في تراكمٍ متكدس في الوسط الكردي، هو نظام الإقطاع، أي نظام (الآغا) والرعية.
هذا النظام يحطُ من شأن الإنسان، ويعمّق الفواصل بين طبقات المجتمع. وبما أن الكرامة هي من فطرة البشر، فان الإنسان بغض النظر عن لونه وهويته ظل دوماً ساعياً وراء الحصول على الكرامة والرفعة والاحترام من الآخرين، من دون أي فروقات ترفع من شأن بعضٍ وتحط من شأن آخرين. الأديان والفلسفات والمواثيق العالمية لحقوق الإنسان تثبت وتؤكد مساواة البشر في الكينونة والذات والكرامة.
نظام الآغا يقف على نقيض هذه الاستنتاجات والمقررات وتلك الفطرة التي نشأ عليها الإنسان. فالآغا ينظر إلى رعيته كمخلوقات دونية خاضعة لإرادة الخالق الذي اقتضت مشيئته وجود سيّد وعبيد، وعليّ ودنئ، وكبير وصغير!
ومقومات الذات ومفاهيم الحياة تخضع لأوهام الآغا ومعادلاته وترّهاته في المجتمع الكردي. فهو الذي يحط من شأن الناس على أبعد حدود، ويصغر حتى من أسمائهم ويطلق الألقاب الدنيئة عليهم كأنّ البشر ما هم إلا أدوات ووسائل مخلوقة لشهواته.
لذا فليس غريباً أن يتحول الآغا إلى موضة ومقياس للجمال والرفعة والأبهة بين الناس في العالم الكردي. وعلى هذا الأساس نشأت ظروف مشحونة تولّد الأحقاد والضغينة بين أفراد المجتمع بين الآغا والرعية وكلّ من يقوم على هذه التخوم بتفاوت حسب درجات قربه وبعده من كلا الطرفين.
وبما أن هذا النظام مريض جداً يتحول دوماً إلى مكامن لخلق الأزمات والأمراض المعدية التي تفتك بالأجيال. ولكن بما أن الإنسان كما قلنا يسعى نحو المزيد من الكرامة واحترام الذات اللائقة به، ينفر من النظام الطائح بهذه المبادئ السامية. والنفور بالضرورة لا يعني إيجاد فرصة سليمة حتماً حتى ولو كان ذلك صحيح المنطلق وسليم الحركة. لنأخذ مثالاً على ذلك، إن مجاميع كبيرة من التركمان في مدينة أربيل هم من أكراد هاجروا ونزحوا من القرى ( نظام الآغا: السيادة والعبودية) واستقروا في المدينة هرباً من الآغا وقيمه المنافرة للطبع الإنساني السليم. طبعاً هناك تكوين تركماني أصيل في البلد منذ القديم. إن أول محاولة لجأ إليها هؤلاء الهاربون هو التخلي عن الروابط التي تربطهم بالدائرة التي تمردوا عليها ومن ضمنها وأهمها اللغة.
إلا أن الأمر لم يستقر على هذا النحو. فالأحقاد بدأت تتململ من جديد بين التكوين الجديد والقديم على أسس أخرى ربما أخذت وتأخذ أحياناً أبعادا خطيرة على المستوى السياسي والاجتماعي والقومي!
هذا لا يعني إلغاء التركمان الذين لهم خصوصيتهم. فهم سكان هذه المنطقة وساهموا في بناء حضارة الشرق شأنهم شأن الآخرين من الكرد والعرب والفرس والآشوريين...لكن هذا موضوع آخر. فنحن هنا بصدد دراسة النظام السائد في كردستان الذي يحول عقبة عظيمة أمام تطور المجتمع هناك.
وكلما امتد الزمن أصبح هذا النظام المريض يتعاظم ويتقمص في المستجَد من الظروف والسياسات التي أتت وتأتي على المنطقة. فالآغا أو رئيس العشيرة أصبح يتمرد على السلطة ثم يتحول تمرده إلى حركة قومية. والآغا أصبح ممثل الناس لدى السلطة وحكومات المنطقة، وأمسى هو الذي يتعامل مع الدول التي تتدخل في سياسة المنطقة في أوقات مختلفة من الصراع والعلاقة. والآغا أصبح القوة الاقتصادية والبشرية، وبذلك تحول إلى مركز يُحسب له حساب. وكردستان اليوم للأسف الشديد هي بؤرة وساحة لمراكز القوى المتخلفة التي لم يغير من طبيعتها الاستحواذ على السلطة السياسية، والإعلامية، والثقافية. فهذا كله يجري ضمن الإدامة بتطور هذا النظام واستلابه على مجرى الحياة. والمفارقة أن الآغا هو ذلك الكائن الذليل أمام الأجنبي ( كلّ ما هو غير كردي / محلي) ،لكنه ليس سوى متكبرٍ شرير أمام بني قومه. وبمرور الزمن وفي خلال التقلبات ذات استقرار في الطبيعة والنوع، تعاظمت الفجوة بين المجتمع وهدفه من الحياة على أسس الكرامة الإنسانية. وأمسى الفرد الكردي ضائعاً في متاهات الحياة وصعوباتها الجمّة في مفازات العبث السياسي والاجتماعي الذي وقف حائلاً بين نمو الفرد وتقدم المجتمع وبالتالي فان الحقد والكراهية والحسد واليأس أصبحن من الأخلاق الثابتة للأفراد، وعلائق المجتمع المصيرية. وبمعنى آخر فان الفرد في المجتمع الكردي نظرا لعدم تحقيق ذاته وحاجاته كانسان في ظل هذا النظام الموبوء يتحول إلى مخزن للأحقاد والضغينة كردّة فعلٍ ضد استحقاره كانسان. ولعلّ هذا هو السبب في ما هو مشاع الآن في الوسط الكردي الثقافي الموسوم بــ ( لا انتماء الفرد الكردي إلى كردستان).
ومن هذه الزاوية يمكن قراءة التاريخ السياسي الكردي قراءة دقيقة وعميقة في تشعباتها وطلاسماتها المتشابكة التي هدمت فحوى البنية القومية لتكوين ثقافي متفرق وهائم، قدّم ويقدم التضحيات الجسّام دون بلوغ المرام. وعلاوة على العلل التي ذكرناها فان انعدام وجود التمدن في حركة المجاميع الكردية جعل من الحياة السياسية حكراً على العشائر والقبائل الساكنة في بادية الجبال على العموم. فالمدينة في كردستان كنمط بدأت تتبلور بعد النصف الثاني من القرن الماضي. وأبناء المدن نظراً للضعف الثقافي بقوا بمنئى عن النشاط السياسي، فاضطر الأكراد إلى الإنضواء تحت قياداتهم العشائرية لرفع المطاليب القومية. إلا أن المدينة بدأت تتهدم كنشاط بشري وثقافي في الآونة الأخيرة نظراً للاتساع غير المنتظم واقتصار مفهوم المدينة على الإسكان فقط من دون وجود تمدن حقيقي. وعبر هذا العرض نقدر كبداية أن نقف على الشرفة ونطلّ من خلالها على أزمات ومشاكل الكرد كمحاولة للاقتراب من التشخيص، تشخيص الأمراض والأزمات والجراحات بهدف خلق واحة هادئة لطرح ومناقشة الحلول والرؤى التي تساعدنا جميعاً كبشر.
هذا هو هدف هذا المقال والمقالات السابقة في الشأن الكردي
.

0 Kommentare:

Kommentar veröffentlichen

Abonnieren Kommentare zum Post [Atom]

<< Startseite