Dienstag, Februar 13, 2007

ليس للجنرال من يقاتله*

أروى عثمان

في الفترات العصيبة، يضيق الوطن، وتضيق صدور الناس أكثر، ويتحول الوطن إلى مخنق كبير، وعميق.. عندئذ يظهر قادة الوطنية، يلقبون بالمناضلين، والأبطال، والأفذاذ، الأشاوس، وأسياد الشهادة والواجب، ودعاة الحرية، والديمقراطية، والكفاح المسلح.. الخ.

أسياد يا وطن أسياد:
وكلما ضج الوطن بهؤلاء الأسياد.. يغلظ المخنق، ليطوق حتى نسمة الهواء.. وينقلب الكفاح المسلح إلى فخاخ مُسلخ، يسلخ أي شيء في طريقه، من معه، ومن ضده، ومن يركن في الظل، حاصداً البشر والحجر، والشجر.
في بداية تكوين (مناضلينا الأشاوس) كانوا شبابا يتأججون حماسة، يعتلون المنابر ابتداءً من منابر سلالم وسطوح بيوتهم، مروراً بمدرجات الجامعات ومنابر المساجد، والملاعب، بل ومن أي منبر، حتى لو كانت تبة صغيرة في حقل، أو فرزة سيارات، أو سوق سمك، أوكرسي مقهى، حتى تنكة السمن الصدئة المرمية في أزقة الحي الشعبي يعتلونها، إنها منابر للغليان الشعبي بكل أنواعه (أبو فتلة) وأبو بودرة، سيلاني، وليبتون.. وكله غليان..
دماء تغلي على طول الخط، في الصحو والمنام، وجوه مشرئبة بدماء الثورة حتى لو كانت وجوه شاحطة ماحطة، ثم خطب وجموع. هذه هي الصورة النموذجية لحاملي منابر التثوير وعلى مدى تاريخنا، مُفرزة : راع ورعية، قائد ووقود الثورة، زعيم وشعوب، ولا تخرج عن تسمية الراعي والقطيع.. (وبالمناسبة التثوير في الطقوس اليمنية، مجموع أنواع من البخور والنباتات تستخدمه المرأة اليمنية أثناء فترة الوضع، لتحل البركة، وتطرد الشياطين والجن).
جماهير الغليان تنصهر في أي شيء، المهم أن يدار الوعاء بريموت كنترول يلزق به متى أراد قادة الخطب (المناضلون)، وضد اللزق متى لم يريدوا.. جماهير عاطفية تغلي في كل شيء، ولأجل كل شيء، إلا آدميتها المسحوقة. جماهير مهرولة طول تاريخها، فأينما تثور الخطب، يتواجدون، ويهتفون، يتمترسون، ويحطمون، ويدمرون وكله من أجل الوطن – الذي لم نعرف ماهو هذا ال..و..ط..ط..ط..ن - انها جموع تهتف ضد أدميتها: كما حدث في فترة تاريخية معينة من التاريخ اليمني: عندما خرجت الجموع تهتف بـ: تخفيض الراتب واجب.. وهم ينامون بدون عشاء.

تثوير.. ولا فرق:
ومثل التثوير الوطني، وبتواز معه يكون التثوير الديني، وكلاهما جنرالات من وطن ودين، ومن نفس المنابر تزرع ماكينة لصق، وماكينة فرز: تكفير، تخوين، فتاوى، يجوز، ولا يجوز، جنة ونار.. الخ فيخرج السامع / المصلي، وهو قنبلة، ينفجر في أبيه، وابنه، وزوجته، فالجميع نسل الشيطان، وهو نبي، فقط ظل طريقه في عالم الجاهلية الأولى ..
شيوخ الوطنية والنضال، هم أنفسهم شيوخ الفتاوي، كلهم (يفتّون) بالمرقة، وبدونها من طناجر الإيديولوجيات.
في أول صعودهم "أدوشونا" بمعلقاتهم السرمدية: بغيتهم النضال ولا سواه لإعلاء شأن الثورة /الوطن، شأن الأمة، شأن الحمى، شأن الثومة، المهم أي شأن من براثن الأعداء، والكهنوتية، والطغاة.. الخ.
والمحصلة جماهير في قلب الغليان والحمم تغلي في بعضها، وتنطبخ بينها، وتذوّب الوطن، والدين، والوحدة، والأمة ,,الخ فتظهر أوطان ممسوخة، متشحة بلباس الجوع والفجيعة.. تعرف فقط أن ماضيها، وحاضرها، ومستقبلها هوالغليان، ولا سواه.


فخاخ مُسلخ:
في ظل هذا الركام، هل هدأ الغليان والتثوير ؟ مطلقا فمع اتساع رقعة الفجيعة، يتقوون.. قادة، يستثمرون القتل والفجيعة. نضالهم المنبري طاغ متخف في البداية، سرعان ما يتحول إلى أسطورة، تتغذى على أوهام العدو الخارجي، وأعداء الداخل الذين هم أشد فتكاً من أعداء الخارج.
وضاعت ملامح كل الأعداء الذين يتناسلون بسحرية عجيبة في أجندة هذا الفخاخ المُسلخ.. انه المخنق الذي دشنوه باعتلاء المنابر، وصنعوا فيها لكل مواطن مخنقا، بل لكل طائر، لكل انسي أو جني، وما تبقى من العمر المخانق تتناسل مخانق.
نحن الآن نتمضمض، بفروض ما تبقى من فضيلة، ونخرج بقايا من لحوم نيئة أتخمت بطوننا وما بين أسناننا أثناء الغليان المسعور والكفاح المسلح المعصود، نتجشأ دماء، وأشلاء جثثنا المتكومة في الطرقات، والمساجد والكنائس، حتى في بيوتنا، وأحواشنا.
وكلما خاف أسياد الوطن، وحراس الهوية والدين، على نجومية نضاليتهم وهلعهم ًعلى سيوفهم وبنادقهم من أن تصدأ، خرجت ماكينة الفقس لتبدأ دورتها الجديدة منتجة أعداء، وأعداء، وأعداء..


من حبة الذرة إلى العروسة:
(مناضلينا) أسياد كل شيء، حروبهم الطويلة على (الأعداء) لابد لها من ثمن، وبما أنهم حاربوا و ثاروا واستثاروا لتحرير البلاد والأمة، بل ويزيدون على ذلك حصة آبائهم الذين كانوا يغلون غلي في معركة " فتنة الدبوس" ، وجدهم الأول كان مناضلاً في موقعة صانونة الهواء **، وجد جدهم، كان بطلاً قومياً في حرب "السكتة" وأهل عشيرتهم قاوموا أعداء الفتة بالسمن البلدي .
وبما أنهم جنود الغليان الشعبي، ولسان حال الأحياء والأموات فحصصهم لا تقل عن عروسة.. وإلا.... فما حكاية العروسة هذه ؟

هناك حكاية شعبية يمنية تقول أن أباً فقيراً أوصى لأبنه بعد موته بحبة ذرة.
فصال الابن (الذكي) وجال في المناطق، فكان إن وصل إلى قرية مجاورة ودنا الليل، فيطرق أول باب يقابله، فيفتحون له أصحاب البيت أبوابهم، فيتمسكن قائلاً، أنه يريد أن يبات الليل عندهم، فالوحوش تملأ الطرق، ولا أمان للسائر فيها. وسيرحل صباحاً، فيرحبون به، لكنه يشترط عليهم، بأن حبة الذرة لا تنام إلا مع دجاجهم.
فيوافقون. وفي الصباح يستعد للرحيل، ويطالب بحبة الذرة التي يملكها.
لكنهم يجدون أن الدجاج قد أكلتها، وهنا يبدأ بالمساومة إما حبة الذرة حقي، وإلا دجاجكم.
يحاولون أن يثنوه عن غيه.. ويعطونه بدلا عن حبته حبة ذرة أخرى، لكنه يرفض أما دجاجكم، وإلا لن أرحل.. فلا يملكون إلا يعطوه دجاجهم التي لا يملكون غيرها.. وهكذا يعمل مع باقي القرى، فيحمل دجاجه، وعند أول باب يصادفه، يحدث أهل البيت، بأنه سيبيت عندهم شرط أن تنام دجاجه عند أبقارهم، وينهض في الصباح فيجدون أن الدجاج قد دهستها الأغنام، وبنفس طباع المساومة (الذكاء) أما دجاجي أو أغنامكم، يخرج منتصراً بحظيرة الأغنام، وفي قرية أخرى، يقول لأصحاب البيت أن أغنامي لا تنام إلا مع أبقاركم، وتداس الأغنام ويستولي على الأبقار، والأبقار لا تنام إلا مع الجمال، وتداس الأبقار، ويخرج محمولاً على جمل.
وفي الطريق وهو راكب على الجمل يقابل جنازة لامرأة عجوز، فيقول لهم: ما رأيكم أن أعطيكم جملي، وانتم تعطوني جنازتكم
فيوافقونه بفرح. وأثناء سيره، وجد نفسه في زفة عرس، فذهب إليهم وقال لهم: أمي مغنية تغني في الأعراس، ما رأيكم أن تغني في عرسكم ، فوافقوه. وقال: سأحضرها شريطة أن تغني وهي جالسة بجانب العروس. وأثناء حماس العرس والتصفيق ألقى الولد الذكي بالجثة فوق العروسة وصرخ باكياً: أمي ماتت، وهي في العرس.. أنا أريد أن أمي
قالوا: أمك ماتت
قال: إما أمي أو العروسة
لم يوافقوه، حاولوا أن يثنوه عن رأيه.. لم يقبل..
فانتفض قائلاً: إما العروسة وإلا سأقتل كل من في العرس
فاضطروا أن يعطوه العروسة..
بالمناسبة إسم الحكاية "الولد الذكي" فجموع مناضلينا،وقادتنا، وأبطالنا، ومجاهدينا هم بالمناسبة أذكياء فوق العادة.. يبدأ نضالهم من أي حبة ذرة أو قمح، حتى يصلون إلى العروسة.. الوطن، والسلطة.
أما شعوبنا وعلى مدى تاريخها.. تفتح أبوابها لحبة ذرة، فلا يخرجون إلا على أجساد أهل المنزل، يتأبطون العروسة.. ما لم سترتد حبة الذرة في حناجرنا، وسيتبرعون بشاب غلياني لينسف رؤوسنا، وما تبقى من أجسادنا،
فإما العروسة.. وإلا......
فكيف تشوفوووووووووووو؟


*: مع الاعتذار للكاتب العالمي غارسيا ماركيز لتصرفي بعنوان رائعته (ليس للكولونيل من يكاتبه)
**/ صانونة الهواء: طبيخ غير دسم، خال من اللحم، ويحمل دلالة انه لا يشبع.
أي طبيخ هواء..
*** كل اعتذاري لكل المناضلين الذين عاشوا صادقين، وماتوا أكثر صدقاً.

0 Kommentare:

Kommentar veröffentlichen

Abonnieren Kommentare zum Post [Atom]

<< Startseite