Dienstag, Februar 13, 2007

الذكاء العاطفي: أرسطو والتجربة اليابانية

كتب أرسطو: "من السهل أن يغضب أي منا، ولكن بأن نغضب في الوقت المناسب، وبدرجة مناسبة، وبطريقة مناسبة، ولسبب مناسب، وللشخص المناسب، فذلك ليس سهلا." والسؤال المحير كيف استطاعت اليابان أن تقبل بالهزيمة، وتنسى الدمار الرهيب، وتبتعد عن الحقد والانتقام، وتبدأ العمل مع المنتصر، بنظمه ودستوره، واقتصادياته، وبسرعة متناهية. فقد انتهت الحرب في عام 1945، وصدر الدستور في عام 1947، وهو نفس الدستور حتى اليوم، كما برزت أيضا معجزته الاقتصادية والتكنولوجية بعد حوالي ثلاث عقود. والذي يصيب الإنسان بالدهشة، كيف اختفت عواطف الحقد والانتقام عن هذا الشعب؟ هل لدية ذكاء عاطفي حكيم؟ أم ذكاء تجربة ومعاناة؟ وكيف طور ذكاء التجربة؟ هل بدراسة تاريخه ومعاناته بصدق وحقيقة، وتعلم السيطرة على عواطفه؟ وهل يحتاج العرب لهذا الذكاء؟ فهل معاناتهم قليلة؟ وهل درسوها بصدق؟ وهل تعلموا ذكاء المعاناة والخبرة العاطفية منها؟ كتب جون دوور في كتابه،عناق الهزيمة: بروز اليابان كأمة متقدمة أذهل العالم: بسرعة، وبجرأة، وبنجاح، بصورة مخبلة، قاتله، ومحطمة، لم يتصورها أحد. فقد كانت جزر نائية كالنمر النائم لا يسمع عنها أحدا، وفجأة برزت كجني يخرج من القارورة، فيتوسع ويحارب ويحطم حتى الدمار التام، ثم يبدءا من جديد وبنجاح باهر. لقد اندهش الأمريكيون حينما دخلوا اليابان بعد انتهاء الحرب. فوجدوها مدمرة تماما، واستغربوا تأخر اليابان عن الاستسلام حتى يصل الوضع لهذه الدرجة من الانهيار، وتساءلوا كيف كانوا بهذه الرعونة. ولنسأل كيف تغيروا بعد الحرب، وتحولت ما سميت بالرعونة إلى حكمة السيطرة على العاطفة. غريب هذا العقل البشري!!!يتكون العقل البشري من وحدات مفكرة، الخلايا العصبية، وشبكة اتصالات معقده. وتنقل هذه الشبكة المعقدة ما يدور حولنا من خلال حواسنا إلى الخلايا المفكرة. وتقرر هذه الخلايا نوع الاستجابة اعتمادا على عددها، ودقة عملها، والخبرة المتراكمة من أخطاء الماضي وايجابياته. ويختلف البشر بكيفية التعامل مع الخبرة الحياتية لتوجيه هذه الخلايا، لينتج منه ما يسمى بالذكاء، والمرتبط بحل المعضلات وأخذ القرارات اللازمة. ولتنمية ذكاء الطفل، يحتاج لتطوير طريقة تفكيره، للبحث عن المعلومة لحل المعضلات، كما يحتاج ذلك للتناغم بين التربية المنزلية، والتربية المجتمعية، والتربية المدرسية. ومن أهم أنواع الذكاء هو الذكاء الذهني والاجتماعي والعاطفي. وسنركز هنا على العاطفة والذكاء العاطفي. ومنذ أن خلق الله الإنسان، فغريزة الخوف من الخطر مرافقة له وحامية عنه. وتراقب الأعضاء الخاصة بالحواس أعراض الخطر، وتنقلها لخلايا المخ عن طريق شبكة الاتصالات. ويقيم الذكاء الذهني الظرف، ويقرر كيف تكون الاستجابة للخطر. وقد يتقدم الذكاء العاطفي، ويسيطر على الوضع، ويتصرف الإنسان بسرعة خاطفة، قبل تدخل الذكاء الذهني. وهنا بيت القصيد، كيف يتحكم الذكاء العاطفي أمام الأزمات؟ فإذا تم التصرف بسرعة خاطفة، وبدون مشاورة الذكاء، الذهني، فقد يكون الرد خطرا أو قاتلا.قال قائد الهند العظيم مهاتما غاندي "قانون العين بالعين، جعل العالم أعمى." فعالمنا اليوم أعمى بالعنف والقتل والانتقام. لن أناقش الماضي ولكن لنطالع المستقبل. كيف نقي مجتمعاتنا من ظواهر العنف؟ الم يؤكد جل شأنه "من قتل نفسا بغير نفس أو فسادا في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا."صدق الله العظيم. لحل معضلة العنف درس العلماء مسألتين، حاجيات الإنسان ونمو ذكاءه العاطفي. لقد درس هذا الموضوع البروفسور أبراهام ماسلو، إستاد العلوم النفسية بجامعة نيويورك. فلنربي إنسان سليما جسميا وعقليا وذهنيا واجتماعيا وعاطفيا وروحيا، يجب أن تتوفر له الحاجيات الفيزيولوجية كالأكل والشرب والجنس والملبس والمسكن والأمان. بالإضافة للحاجيات النفسية وهي العائلة والأصدقاء ومعارف يحبهم ويحبونه. كما يحتاج للعمل ليثبت من خلاله شخصيته، لينتج ويبدع، ويتعامل مع معضلات الحياة المختلفة. ويحتاج للقيم الأخلاقية والروحية والدينية ليتعامل مع ما حوله بسكينة واتزان. وأخيرا يحتاج للصحة والعدالة والسعادة ليستمتع بالحياة ويقدر قيمتها. ولو انعدمت توفر بعض هذه الحاجيات فكيف يكون جسم الإنسان وعاطفته؟ هل ممكن أن تنقلب سعادته إلى تعاسة؟ وهل ممكن أن يجرم؟ أو يختار طريق العنف ليتعامل مع معضلات الواقع؟ وهل سيبداء بالحقد والانتقام وينتهي بالقتل والدمار؟ وقد يقول البعض مع توفر الحاجيات فالعنف حقيقة اليوم. فهل نحتاج لدراسة هذه الظاهرة وارتباطاتها بالتطورات المجتمعية الحديثة؟ وهل نستطيع تغير عادات الغيرة والحقد والانتقام؟ وقد يتساءل البعض ولماذا العداء أصلا فالوقت للبناء وليس للعداء؟ هل يستطيع البشر حل مشاكلهم بالعقل والحكمة وعدم الأنانية و السيطرة على العواطف؟ لنتذكر ما قاله الرئيس رتشارد نيكسون والذي عانى من خصومه السياسيين: الذين يعتقدون بأنهم أعداءك، حينما تكرهم، فهم الفائزون وأنت الخاسر. فماذا تعني هذه المقولة. هل تعني بأنك حينما تشاطرا العداء مع من يتصورا بأنهم أعدائك، تحطم المستقبل، وتقاتل الماضي، وتملئ نفسك بالكراهية والألم، وتفقد توازنك النفسي، وستفقد تفكيرك وحكمتك؟ وتصور إذا فقد الإنسان التفكير والحكمة فما سيبقى له؟يقول اليابانيون حكمة ورثوها من الصين: " الحقيقة!!! من قال هناك حقيقة؟؟" هذه حكمة واقعية مهمة، تعني لا أحد منا يملك الحقيقة، وذلك يدفعهم دائما للبحث والاكتشاف، ولن يعتقدوا بأنهم وجدوا الحقيقة، لأن الحقيقة تتغير في نظرهم، فيستمروا في الإبداع والاختراع، كما تخلق ألفه في العمل وتناغم في الإنتاجية. ويبداء الخلاف حينما نعتقد بأننا اكتشفنا الحقيقة وحدنا. فما أقوله هي الحقيقة، وما أفكر به هي الحقيقة، وما أفعله هو الحقيقة، وما أؤمن به هو الحقيقة، ويجب ألا يفكر غيري بطريقة أخرى، ويجب ألا يختلف مع رأيي أي إنسان. وليسمح لي القارئ العزيز، فقد بدأت دراسة الطب وجراحتها قبل سنين، ولن تصدق كم من حقيقة درستها وطبقتها تغيرت واضمحلت؟ كم من عملية جراحية أجريت في تاريخ العالم كانت تعتبر ضرورية، وأصبحت اليوم ممنوعة؟ كم من عملية جراحية أجريت بقطع الأوصال وشق الصدور والبطون، وأصبحت اليوم تجرى بدون المبضع؟ فهل هناك فعلا حقيقة دائمة غير حقيقة الخالق جل شأنه؟ وهل من حقنا أن نعتقد إننا نملك الحقيقة وليس غيرنا؟ ولنفرض بأننا قبلنا بأننا لسنا وحدنا من يملك الحقيقة، فهل سنحترم رأي الآخرين وستصبح خلافاتنا سهلة؟ هل تمكنا من مجابهتها وحلها بالحكمة والعقل والحوار المنطقي؟ الأ تتصورا بأن لذلك علاقة بديمقراطية التفكير؟ الم يقل فولتير بأنه مستعد أن يضحي بحياته ليعطي الفرصة لمن يخالفه الرأي ليعبر عن رأيه. ألا نحتاج لهذه الديمقراطية في التعبير. أليس من الأفضل أن نبداء بتطبيقها على أنفسنا قبل أن نفرضها على الآخرين؟ ولننهي المقال بالسؤال التالي:هل يحتاج أطفالنا مناهج لتطوير قدراتهم في ذكاء الخبرة والمعاناة،
الذكاء العاطفي؟ فكما يقولون مثقال وقاية خير من قنطار علاج.
كاتب المقال سفير مملكة البحرين باليابان
د. خليل حسن

0 Kommentare:

Kommentar veröffentlichen

Abonnieren Kommentare zum Post [Atom]

<< Startseite