Sonntag, März 23, 2008

خذي الحكمة من نهيق الحمير


زاكروس عثمان

كان الحمار أبدا محل تقديري, فهو المثل الأعلى لي في


الحياة لأنني الطفل القروي لاحظت في سكون الحمار وحركته ووقاره حكمة سامية
وفكر مستنير , ولا تظنوا أنني هنا اسخر أو أتسلى أو أضيع وقتكم بلا طائل في مدح الحمير , أتفهم موقفكم إذا استنكرتم علي ذلك , لأنكم لأسباب احترمها لم تجدوا وقتا حتى تثقفوا أنفسكم في علم حميرلوجيا , بعكسي أنا الذي وضعت أسس هذا العلم الجديد , اقسم لكم برأس زوجتي وأطفالي الثلاثة وبرأسي اردوغان وجاره نجاد وقبر صدام ولحية بن لادن وكوفية الظواهري وأسنان الوزيرة السمراء غوندي وبجمال معشوقتي هيلاري الحسناء , اقسم بأنني جاد كل الجدة في طرح اكتشافي العلمي الذي لا يقل أهمية عن اكتشاف خالي انشتاينو الذي أعطى سر فناء كوكب الأرض لأكثر المخلوقات نجاسة وشرا, بينما نظريتي هي لصيانة الكوكب وحفظ الحياة , انتم أحرار في متابعة القراءة أو عدمها , قبل إن ادخل في التفاصيل ولو كنت مكانكم ما تابعت القراءة .
حين لاحظ والدي أنني اجلس قبالة الحمار شاردا أراقب تأملاته العميقة صاح في أمي لعنة الله على حظي العاثر الأولاد يذهبون إلى المدرسة وابنك اتخذ الحمار أستاذا , ثم شدني من إذني مهددا إنه سيجعله بطول إذن الحمار و يربطني بجانبه ما لم أتخلى عن مجالسته, ولكن شغفي بدراسة طبائع مجتمع أخوتنا معشر الحمير كان أقوى من تحذيرات المرحوم فرحت سرا أتواصل مع حمير القرية خاصة الحمار قلندر الذي كان النبوغ باديا في عينيه منذ كان كرا , كانت رحلتي في طلب علم الحميرلوجيا لا تقل مشقة عن رحلة دارون في دراسة أصل الأنواع , ومن أهم المصاعب التي واجهتني في دراسة انتروبولوجيا الحمير هي مشكلة اللغة , فالأساس في علم الانتروبولوجيا هو تعلم الباحث لغة المجتمع الذي سيجري أبحاثه عليه حتى يتواصل مع أفراده ويتعرف على عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم ليستشف منها طرائق حياتهم وتفكيرهم ومعتقداتهم وفلسفتهم وقيمهم , فأخذت أتمرن على النهيق معتقدا إن العملية سهلة ولكن تبين لي إن لغة الحمير أصعب من اللغة الصينية وبالكاد بعد مرور سنين تعلمت إصدار مقاطع صوتية من حنجرتي تشبه لحد ما النهيق , فذهبت إلى قلندر متبخترا ووضعت فمي قرب إذنه وأطلقت صوتي نهيقا , وما كاد أستاذي في الأدب الحماري يسمع نهيقي حتى ألقى بنفسه أرضا يتقلب على جنبيه يسارا ويمينا يشنهق وهو يضع حوافره على بطنه وعيناه تكاد تفقأن , فعرفت انه يضحك علي يعني أنني رسبت في امتحان اللغة , فلم تبقى لدي حيلة سوى إقناعه بفتح دورة تقوية خصوصية كما يفعل معظم المعلمين , انتهت نوبة ضحكه فاقترب مني وأطلق نهيقا ما سمعت اطرب منه في حياتي , كانت قصيدة وجدانية حالمة ترجمها لي كونه يجيد لغة البشر بطلاقة , شيء فشيء علمني قلندر الحكيم فنون النهيق لأمتلك كنوز لغة الحمير الأدبية والعلمية والفلسفية والمعرفية وصرت متبحرا في مفرداتها الثرية وقواعدها , فصار بمقدوري التواصل مع مجتمع الحمير , وكان هذا رأس الخيط الذي قادني إلى اكتشاف نظريتي العلمية من خلال التعرف على حياة ومعيشة الحمير والوصول إلى طرائق تفكيرهم ومعتقداتهم ,لن أبالغ إذا قلت أن أعظم انجاز في علم الانتروبولوجيا قد تحقق على يدي حيث ابتكرت منهج بحث علمي جديد وهو علم نفس الحمير الذي استطعت به تحليل الجانب النفسي والذهني والروحي لدى الحمير , فصارت لدي خريطة سيكولوجية متكاملة عن تضاريس كينونة الحمار , فإذا بي أمام حقيقة علمية مذهلة تبرهن امتلاك الحمير لنوع فريد من فلسفة بالغة الرقي لم يصل إليها القردة ولا أولاد عمومتهم البشر , بموجب هذا الكشف العلمي البعيد عن السياسة قدمت بحثي إلى منظمة الوحوش المتحدة للثقافة والعلوم اقترح فيه إن يعاد النظر في ترتيب جدول الكائنات الأكثر رقيا وتحضرا على ضوء الحقائق العلمية التي قدمتها على إن تكون المرتبة الأولى للحمير والأخيرة للبشر , طمعا مني في نيل جائزة نوبل , وللأسف أهملوا البحث لأنني خبير من دول جنوب , فلم يتبنى احد نظريتي سوى المصونة ب . باردو التي اكتشفت متأخرة إن المدينة الفاضلة التي يدعي البشر أنهم يحلمون بها وهم يكذبون أنما هي واقع قائم في دنيا الحمير, كنت أثناء شبابي معجبا بالفاتنة ب. باردو وكمخلوق من أنجس المخلوقات وهم البشر عملت على استغلال عواطفها النبيلة نحو الحمير فاتصلت بها مقترحا التعاون بشأن الحمير, فهي من دول الشمال ولها علاقات قوية مع زعماء الأمم المتوحشة وبمقدورها تمرير مسألة إعادة تصنيف الكائنات الحية لصالح الحمير , ولكننا لم نتفق على الشروط فقد اقترحت عليها إن أعطيها أبحاثي عن الحمير كاملة مقابل إن تعاملني معاملة الحمير التي في حوزتها , فرفضت المشروع لأسباب مقنعة , حيث بينت أنني من البشر أولا ومن الشرق الأوسط ثانيا فإذا وضعتني بين حميرها من يضمن لها أنني لن افسد أخلاقهم السامية خاصة أنني أجيد لغتهم ومن يضمن أنني لن أغذيهم أيديولوجيا توتاليتارية متطرفة يسارا أو يمينا أو دينا واسقيهم ثقافة العنف والتعصب واغسل عقولهم وعواطفهم وأدربهم على القتال وحمل السلاح وأحولهم إلى إرهابيين – انتحاريين , لم تكن هذه النوايا موجودة في رأسي فانا مشبع بثقافة الحمير امقت العنف والقتل ,كانت نيتي الفوز بقلب ب.ب الجميلة وليس حميرها ولكن دون جدوى .
تابعت أبحاثي ونلت درجة دكتور في باراسيكولوجيا الحمير , وكما يحدث لمعظم العلماء في البداية يذهبون إلى مجتمع غريب لغاية دراسته وحين تطول إقامتهم ويتعرفون عن كثب على ثقافة ذاك المجتمع ويكتشفون حقائق مذهلة فيعجبون بها وتحدث أواصر الألفة بينهم وبين أفراد المجتمع فيقررون التخلي عن وظيفة الباحث والتحول إلى أفراد اصلاء في مجتمعهم الجديد , وهذا ما حدث لي إذ بعد انتهاء البحث وجدت صعوبة في التخلي عن دنيا الحمير فقررت الانضمام إليهم إلى الأبد .
ولو استفيض في الشرح فسوف يأتي الناس أفواجا يطلبون اللجؤ الإنساني أو السياسي إلى بلاد الحمير , والخوف كل الخوف إن ينقل البشر أمراضهم وخستهم ونذالتهم إلى مدينة الحمير الفاضلة ليفسدوا فيها كما افسدوا دنيا الإنسان ويحولوا حياة الحمير من النعيم إلى الجحيم كما حولوا جنة الإنسان إلى سعير , هذا يهدد الأمن القومي للحمير , قد تعتقدوا أنني استخدم الحمار كرمز لا ولله أنما اعني الحمار بشحمه ولحمه ونهيقه , الحمار أفضل مليون درجة من غالبية الكائنات التي تسير منتصبة القامة , فالحكمة المتوفرة في رأس الحمار وفي ذيله وفي إذنيه الرائعتين وفي حوافره وفي عضوه حين ينتصب يضرب حكمته الفائضة ببطنه لا تتوفر لدى ابرع حكيم بين البشر, الحكمة الأولى إن الحمار الموقر ينهق ليعلم البشر الكف عن سفك الدماء .
ليتكم تنظروا إلى الحمار الذي سبق حكماء الهند إلى فن اليوغا كيف يعيش خلوة تأمل روحية - نفسية عميقة ليتطهر من الأحقاد والضغائن ويتسامى فوق الأنانية وحب الامتلاك فلا يفكر بقهر الآخرين حتى يحقق رغبات غير مشروعة على حساب أبناء جنسه الحمير أو على حساب الخلائق الأخرى شركائه في الكوكب الذي يجب المحافظة عليه , الحمار ينظف البيئة وهناك وحش بشري يدمرها فمن يكون الحكيم الأصدق , يقال إن الحمار الأول حين خلقه ربه لم يطلب شيء غير الحكمة فأخذ يطيل إذنيه حتى يسمع أسرار الكون ليلتقط الحكمة التي حلت فيه رويدا رويدا وطال مكوثه في تلقي سر السعادة ألف عام حتى امتلأ روحه بها فشعر بسعادة غامرة حين تعلم الصبر فأطلق فرحة الفوز العظيم نهيقا خالدا يتوارث جيل بعد جيل .
هل تعلم إن العولمة التي يتجادل البشر بشأنها اليوم بين معارض ومؤيد , قد عالجها الحمير منذ خلق الكون حين حققوا عولمتهم في دولة عالمية جمعت كافة أطياف الحمير .. اقتصادهم حر .. علاقتهم الاجتماعية مفتوحة .. لغتهم موحدة عالميا مع احترام لهجات النهيق المحلية واحترام الخصوصية الثقافية والقومية لكافة حمير العالم.. ثقافة متسامحة لا تعرف تعصب عرقي أو ديني بين حمار كردي وحمار تركي بين حمار اسود وحمار ابيض أو ملون بين أنثى وذكر , عولمة لها مضمون حضاري قائم على العدل والمساواة لا استغلال لا اضطهاد لا ظلم لا قهر , مجتمع الحمير مجتمع أممي - شيوعي عالي التطور تنتفي فيه الملكية الخاصة التي هي أساس كل الكوارث التي يشعلها البشر , إن انتفاء الملكية الخاصة يعني انتفاء السلطة لان الملكية الخاصة تنتج السلطة فإذا انتفت السلطة انتفى القهر وهذه هي حكمة الحمير التي قفزت بهم إلى مجتمع ما بعد الدولة أو ما يسمى جنة الشيوعية التي تدير نفسها بنفسها دونما حاجة إلى أدوات القهر فالخيرات مشاعة للجميع حسب حاجاتهم فلا تكون حاجة إلى حمايتها لأنها ملك الجميع , لقد نجح الحمير في العبور إلى الشيوعية الحقة وفشل البشر, فمن الأذكى ومن الأنبل , ليس ثمة مشاكل تواجه الحمير سوى عدوان البشر عليها ولأنها حكيمة تغض النظر حتى لا تهبط إلى مستوى بشر اقل منها مكانة ولكنها لا ترضى بالظلم فتركل للدفاع عن نفسها وتأديب المعتدي , إلا أنها غير مؤمنة بالعنف تعيش بسلام وأمان واستقرار في مجتمعاتها خالية من العقد النفسية والأزمات القلبية والجلطة الدماغية لانتفاء ضغوطات الحياة التي تسبب للبشر مثل هذه الأمراض , لم اسمع سوى بحمار واحد انتحر في الجزائر ليس حزنا على حبيبة فارقته أو أموال خسرها أو احتجاج على ظلم الحكومة بل لأن بشري أفرط في سؤ معاملته فذهب وألقى نفسه في البحر ينقذ كرامته الجريحة والله انه شهيد .
كان لدى السومريين آلهة لرعاة الحمير اسمها ninhorsag ظهرت لي في ليلة حزينة قتلوا فيها بعض الأحبة , فاوحت ألي بهذا العلم وقبل إن تغادرني صنفت الخلائق كما يلي :
الحمار أنبل مخلوق يليه القرد يليه مراتب متفاوتة من الوحوش ذي الأربع قوائم التي لا تقتل أفراد نوعها وان قتلت نوع آخر فمن اجل طعامها وحين تشبع تنتهي عندها غريزة القتل وفي المرتبة الدنيا الوحش ذي القائمتين المنتصب القامة الكائن الوحيد الذي كلما ازداد شبعا وقوة يزداد رغبة في قتل أبناء جنسه والأجناس الأخرى ليس بحثا عن الطعام بل لأن غريزة القتل متأصلة فيه فهو مخلوق نجس ومنحط , سألت ninhorsag متلعثما هل الإنسان من فصيلة البشر فقالت لا الإنسان ارتقى روحا وعقلا وعاطفة وفكر وقيم , لذلك يكره القتل ولكن ليس له مرتبة انه نوع محير ونحن في بانتيون الآلهة لم نتوصل إلى قرار بشأنه .
بقي إن أعطيكم نشيد الحمير مع الترجمة :
عاعع ..عععاع
عـــــــــــــــعـــــــــاع أأأأعع
ععـــــــــــي اععي عن
اع اع اع
اع ع ع حــــــــــــــععع عااا عا ع ع
الترجمة :
جنس واحد
قلب واسع
حكمة نهيق طريق
عاش عاش عاش
شعير تبن للجميع
sibasdar@gmail.com

Montag, März 10, 2008

خريطة الطريق نحو الإصلاح

خريطة الطريق نحو الإصلاح ( تشخيص الحالة : إنقاذ الإسلام من براثن المسلمين) ( 1 ) انتكاسة المسلمين إلى الوثنية
معظم دول الإسلام ، أو رجل العالم المريض ، تأتي في مرتبة أكثر البلدان تخلفاً على كل المستويات ، و ما زاد الأمر نكاية هو الصحوة الإرهابية التي جعلت من المسلمين أصحاب الحظ الأوفر في العمليات الإجرامية الأشد بشاعة في العالم ، مما استجلب على المسلمين عداء العالم كله ، في وقت يشكلون فيه أشد الشعوب تخلفاً و ضعفاً و ما أكثر عددهم و ما أكثر هزائمهم ، و هو ما استتبع ليس العداء فقط ، بل الاحتقار و الحصار و معاملة المسلمين معاملة ترويضية ، كمن يروض حيوانات مفترسة لم يرتق إدراكها بعد ، و لا تملك حساً أو ضميراً إنسانياً ، فيطعمه و يسقيه بالمعونات لكن يحدد له دوراً لا يتجاوزه ، و يقسو عليه أحياناً أخرى فيحاصره ليتم تحجيمه باستمرار ، و يحافظ على بعضهم من الإنقراض كحفرية حية ، و يترك بعضهم في مناطق أخرى يأكلون بعضهم في فوضى خلاقة حتى تصفو النيران عن رماد خامد غير ضار .و بسبيل العثور على ثقب في هذا الواقع الآسن نحو تغيير و إصلاح يؤدي إلى خلاص و انعتاق منطقتنا مما هي فيه ، انقسم المفكرون في بلاد المسلمين على أطيافهم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، إلى فريقين رئيسيين : فريق أرجع الأزمة إلى عدم التزام خير أمة أخرجت للناس بدينها حسب الأصول ، و هو ما يجعلها تطلب النصرة السماوية فلا تستجيب السماء لها ، بل تنزل بها النوازل و الإهانات و الكوارث تقفو بعضها بعضا ، في عملية تأديب ربانية للأمة كلها ، و ذلك لأنها فرطت في فروض و حدود دينها و تأثرت بما عند الشعوب الأجنبية من أساليب عيش هي على النقيض مما جاء في إسلامنا ، لذلك حقت علينا النقمة الإلهية ، و لا حل إلا بالعودة الكاملة الخالصة لهذا الدين و الالتزام الدقيق بأوامره و نواهيه و فروضه و حدوده الشرعية و أخلاقه السامية ، و التسنن الكاملة بسنة رسول الله ( ص ) و سنن الراشدين الهداة المهديين. و عندما يتيقن ربنا من استئهالنا للرحمة حسب معاييره ، و قدر رضاه عما حققنا من حسن عبادة و إخلاص ، فإنه سيتدخل بنفسه لإنقاذ أمته التي اصطفاها لقيادة العالمين ، و هذا الفريق هو الأكثر انتشاراً بين جماهير المسلمين . و يغلب على هذا الفريق روح التنظيم لتعودهم على الطاعة المطلقة ، فيشكلون جماعات شديدة التنظيم و الانضباط و الاستجابة الحركية السريعة ، تبدو بينها على السطح خلافات في الدرجة لكنها غير نوعية ، فهي تتوافق جميعاً على الأهداف و إن اختلفت الأساليب ، و يزعم هذا الفريق أننا قد جربنا العلمانية ( يقصدون الدكتاتوريات العسكرية ) و النظام الجمهوري و النظام الملكي و الاشتراكية و الرأسمالية ، و سقطت جميعاً و سقطنا معها في المزيد من التخلف و الانهيار ، و لم تجلب تلك التجارب سوى الهزائم المتتالية دون خلاص واضح في المستقبل المنظور ، و لا يبقى سوى استيلاء أنصار هذا التيار على الحكم ليحكموا المجتمع حكماً إسلامياً ، أو بالأحرى أن يفرضوا سلطانهم من خلف ستار لحكام مدنيين أو عسكريين شكليين ، بحيث يكونوا هم المرجعية في اتخاذ أى قرار أو إصدار أى قانون ، و أن يكونوا هم الهيئة المحاسبية الأولى الرقابية ، دون أن يحكموا بشكل ثيوقراطي مباشر ، و بموجب هذا الشكل من الحكم تتم الأسلمة الكاملة للمجتمع و الدولة ، و عندئذ سوف يتدخل رب السماء لينصر أمته و يعيد لها أمجاد الفتوحات ، كما نصر السلف و هم أراذل أذلة . أما الفريق الآخر ( العلماني ) فقد ذهب مذهباً هو على النقيض بالمرة من الفريق الأول ، و هو الأقل انتشاراً بين الجماهير لكنه الأكثر قدرة على الوصول إلى حلول علمية ،و الأكثر منطقاً ، و الأقوى حجة ، و يستند إلى الواقع الملموس في نجاح العلمانية أينما طبقت . لذلك تتم محاربة هذا التيار و طعنه لدى المسلمين بكونه يناهض الدين و يناوئه ، حتى لا يصل إلى الناس أصحاب المصلحة فيه ، و يعاني هذا الفريق إضافة إلى التحريض ضده وتبخيسه و تكفيره و تخوينه ، من خلل شديد أصيل في بنيته ، لأن العلمانية أو الليبرالية هي حرية فردانية بطبيعتها و بما تتضمنه من مفاهيم ، فيكون الفرد عصياً على الانضباط و التنظيم الحركي ، و لا يخضع العلماني إلا لقوانين العقل و العلم و الأصول الحقوقية و الدستورية للمجتمع المدني ، التي يطيعها عن قناعة و إيمان بحفظها لسلامته و سلامة المجتمع . لذلك فالليبرالية لا تقوم في مجتمع إلا عندما تنتشر بقوتها الذاتية ، و قدرتها على الإقناع و ما تملكه من وسائل و أدوات للأمن الاجتماعي ، و ما تحظى به من أدوات علمية تقدم بها نفسها مدعومة بالبرهان و الدليل مع نضوج الأوضاع الاجتماعية لقيام طبقة صاحبة مصلحة فيها تؤسس لها و تحميها و هو الدور الذي أنجزته في أوروبا الطبقة البورجوازية بعد الثورة الصناعية .و الفريق العلماني بالطبع لا يرجع الأزمة إلى تأثر المسلمين بثقافات غير إسلامية ، بل يرى أنهم أبعد ما يكونون عن هذه الثقافات بعداً سحيقاً ، و لا يرى أن مصائبنا تبدأ مع الاستعمار الحديث و سقوط الخلافة ، لأن الخلافة كانت قد مرضت و شاخت و كانت فقط تنتظر من يعلن وفاتها ، بل أنها كانت هي مصيبة هذه المنطقة من العالم ، و أن الاستعمار لم يكن سبب ضعفنا ، باحتلاله بلادنا ، لأنها كانت ضعيفة أصلاً مما سمح للآخرين بالتعدي عليها ، فضعفنا أصيل في بنيتنا الثقافية و كان هو سبب الاستعمار و ليس نتيجته . و من ثم يعيد هذا الفريق أزمة المسلمين إلى تمسكهم بتراثهم الذي تجمد و تجمدوا معه ، و هنا ينقسم هذا الفريق ( العلماني ) إلى موقفين ( إضافة إلى الإشتراكيين ) : موقف يرى أن الخروج من الأزمة يتطلب التحرر التام و الإنعتاق الكامل من سلطة التراث الإسلامي أو أى دين آخر، الذي يعوقنا عن التقدم و التكيف مع العصر . و موقف آخر يرى أن المأثور الإسلامي جزء لا يتجزأ من ثقافتنا يستحيل إجراء قطيعة تامة معه ، لأنه هدف غير قابل للتحقيق بالمطلق ، لذلك فالحل يكون بإعادة قراءة هذا المأثور الهائل و إعادة تصنيفه و تبويبه ، و تجديد فهم النصوص بما يتلاءم مع مصالح البلاد و العباد و ظروف العصر و مقتضياته ، و صاحب هذا القلم يعتبر نفسه ضمن أصحاب هذا الموقف الثاني من التيار العلماني ، و يرى وجوب أن يتم هذا التجديد أو القراءة الجديدة بما لا يصدم الإيمان الإسلامي ، و دون الدخول في صراع طائفي مذهبي بين القراءات ، أى تقديم قراءة تصالحية سلامية للمسلمين قادرة على مواكبة المستحداث في عالمنا الدؤب تغيراً و تبدلاً ، مع الطموح إلى أن تحوز هذه القراءة رضى المسلمين و أيضاً رضى غير المسلمين ، و هي مهمة بهذا الشكل تبدو عسيرة بل و ربما مستحيلة ، لكنا سنحاول تجاوز هذه الاستحالة في هذه المجموعة من الدراسات مستعينيين بحب جارف لهذا الوطن و للناس في هذا الوطن ، و إيماناً غير مشوب بقدرة الإسلام و المسلمين على تجاوز كبوتهم التاريخية . لأن أزمة المجتمعات الإسلامية تنهض على واقع مختل ، تحزبت فيه المجتمعات الإسلامية لدينها و تراثها ، بينما هذا التراث تحديداً ما عاد يتجدد أو يتبدل كما كان في حياة صاحب الدعوة عندما كان الوحي يستجيب للمتغيرات ، فكان الله في حياة صاحب الدعوة يتفاعل بوحيه جدلاً أخذاً و عطاء مع حركة الواقع المتغير ، فكان يُُنسى آيات و يُبدل أخرى و يرفع و ينسخ و يمحو و يثبت آيات غير آيات ، و حديث غير سابقة و فعل نقيض سالفة ، و يتطور مراعياً وقائع الأرض و ظروفها المادية البحت . و بوفاة صاحب الدعوة و توقف علاقة السماء بالأرض ، تجمد المسلمون عند آخر نص في تطور الأحكام ليعتبرونه حكماً نهائياً صالحاً لكل زمان و مكان ، بينما هو في حقيقة الأمر و دون أي تجن هو خارج المكان و الزمان ، و الرؤية الوحيدة القادرة على جعله صالحاً لكل زمان و مكان ، تنبع من داخل الإسلام و من ميكانيزمات تكون الوحى خلال 53 سنة ، فالدرس و الأغراض النهائية فيه ، هو إثبات مبدأ التغير و التطور مع كل جديد ، و ليس الوقوف عند آخر تطور حدث في حياة صاحب الدعوة ، لأن التطور و التغير هو قانون الكون الأوحد الثابت . و الخطورة اليوم ليست على دين الإسلام ، فالدين ، أى دين ، لا يموت و لا يندثر و لأنه فكرة ، لأنه ثقافة ، فلازالت الجميلة بين الآلهة الرافدية (عشتروت) تحاط بالرعاية و التكريم في كل ثقافات العالم و في و في كل متاحف الدنيا ، يحيط بها عشاق من كبار العقول الأركيولوجية و فلاسفة التاريخ و الأديان ، مثلها (إيزيس) المصرية ، مثلها (أدونيس) الفينيقي ، و (البعل) الشامي ، مثلها قصة الخلق المصرية ، و البابلية ، و ملحمة جلجامش ، و حكايات ملقارت ، و ملحمة الطوفان البابلي ، كلها محل احترام و لم تفن ولازالت من التاريخ ، بل وجدت عشاقاً من لون آخر و نوع آخر ، و من انتهي من التاريخ هم البشر من أتباعها و عبادها . الخطورة ليست إذن على دين المسلمين ، فالدين له صاحب كفيل به ، الخطورة الحقيقية هي على المسلمين من الزوال الوجودي من عالم البشرية بالاندثار التام ، بعد أن غابوا عن هذا الوجود كفكرة و فعل و عطاء ، و غرقوا في مستنقعات الجهل الخرافة و التخلف و الجمود و الاستبداد و الانحطاط الخلقي و الإنساني ، رغم أن المسلمين يشكلون حوالي خمس البشرية على الأرض . هنا الذعر الحقيقي أن تطول الأزمة بالمسلمين فيغيبوا وجوداً كما غابوا حضوراً ثقافياً ، و هم حسب ما نعتقد كمسلمين المكلفين بالشهادة على الناس ، بحسبانهم أمة وسطا حسبما أخبر القرآن الكريم ، بينما هم لا عادوا أمة وسطا و لا طرفاً ، و لا هم أمة أصلاً بحالهم هذا ، و لو قلنا تجاوزاً أنهم أمة ، فهم أمة مريضة تصدر أمراضها كراهية و إرهاباً للعالمين . و ينعي المسلمون على الغرب الكافر تحلله الأخلاقي و عريه و حرياته اللا محدودة ، و يعتقدون أن الأخلاق قاصرة على الإسلام و المسلمين ، و أنها الشئ الوحيد تقريباً الذي تملكه لذلك تعتز به و تنافح عنه و تباهي به الدنيا ، رغم أن الصحوة الإسلامية أثبتت عدم امتلاكها حتى هذا الجزء المعنوي الذي تتباهى به ، فأسقطت جميع القيم الأخلاقية دفعة واحدة ، فصار الكذب مباحاً بعقيدة ( التقية ) ، و أموال البنوك مستباحة لأنها ربوية ، و أموال غير المسلمين غنيمة مستباحة لأنهم محاربون شاءوا أم أبوا و سواء كان ذلك موافقاً فعلاً لشرع الله من عدمه ، هذا ناهيك عن فقه كامل يكرس الاغتصاب بملك اليمين يتم تدريسه حتى اليوم في الفقه على المذاهب الأربعة في مدارسنا الدينية . من الأزهر إلى طالبان، ناهيك عن استمرار الشيعة في العمل بنكاح المتعة ، إضافة لمسيار القرضاوي ، و زواج الفرند عند الشيخ الزنداني ، و العرفي ، و مفاخذة الرضيعة كما أفتى خميني . . . إلخ ، و لا تفهم معنى الزنى هنا بالمرة ، و لا أين هي الأخلاق التي يفاخر المسلمون بها العالمين و التى تقف جميعاً عند أخلاق الجنس وحدها ، و هي الأخلاق المفقودة حتى في هذا العنصر الخلقي الوحيد الذي نتباهى به حجاباً و نقاباً دليلاً على عفتنا الجنسية التى هي كل الأخلاق بنظرنا. المشكلة التى ستواجه الجديد هنا ، هو اعتقاد المسلم بعصمته ، و الكمال التام للتراث الإسلامي بكليته ، رغم أن التراث الإسلامي بوضعه الحالي قد اختلط فيه الإلهي بوجهة النظر الفقهية بالمذهب بالتأويل المناسب لعصر دون عصر ، بتقنين تشريعات على المذاهب المختلفة على ما بينها من اختلافات شديدة التباين و التناقض على أبسط الشئون ، التي لا تحتمل رأيين أو تفسيرين ، كما في حال الحدود التى تفعل العقوبات البدنية مثلاً ، فقطع يد إنسان ليست شأناً بسيطاً حتى تختلف المذاهب السنية الأربعة حول مستوى القطع : هل هو من الأصابع أم من الكف أم من الكوع أم نخلعها من الكتف خلعاً ؟ و هي آراء المذاهب الأربعة في مستوى القطع ؟ ! ، ناهيك عن القصور الشديد في هذه الشريعة عن مواكبة الزمن ، و هذا قول لا يشين الشريعة و لا يقلل من قيمتها ، فقط دون إغراق في المثالية يعتبرها في كثير منها كانت صالحة لزمنها وحده ، و مما لا يتوافق مع زماننا كمثال واحد ، كانت الشريعة تعاقب بالقطع على السرقة إذا كان المسروق في حرز أى في مكان مغلق ، لكنها لا تعاقب بالقطع على سرقة السائبة ، فهي ليست سرقة تستحق القطع ، كالسوائم الهائمة في الطرقات أو في البراري، و بتطبيقه اليوم ستكون سرقة السيارة غير مستوجبة للقطع لأنها سائبة ، بينما ستكون سرقة الكاسيت الموجود بداخلها هي العقوبة التي تستحق القطع ، لأنه في حرز حسب شريعتنا . المهم أن ذلك إنما يعني استحالة تطبيق العقوبات البدنية بشكل نضمن فيه العدل التام و عدم ارتكاب الإثم في الحكم ، و هو ما يعني أيضاً أن الشريعة كما هي عليه الآن هي وضعية كأى قانون وضعي ، من وضع فقهاء لم يكن يأتيهم جبريل بالوحي . و من بين هذه الشرائع التي وقفت عند زمانها لا تريم حراكاً ، ويتم فرضها على واقعنا التشريعي و القانوني فيما يعرف بقوانين الأحوال الشخصية ، و التي هي الأشد مساساً بمعاش الناس اليومي ، قوانين الزواج و الطلاق التي لا تكترث لجريمة الخيانة إلا مع الأنثى المحرم عليها ما هو حلال للذكر ، فله الزواج بأربعة ، و له وطأ ما لا عدد له بما ملكت يمينه دون أن يعتبر ذلك زنا في حق الحياة الزوجية تستحق العقوبة و أقلها فسخ العقد برغبة الزوجة المتضررة ، و هو ما لم يحدث إلا بعد إقرار قانون الخلع في مصر ، و الذي يعيد للزوج كل مليم دفعه بعد الأكل و المرعة و المتعة ، حتى تستطيع الزوجة أن تنال عتقها . هذا بينما شرائع البشرية كلها تعتبر إقامة أى علاقة خارج الزواج المفرد على أى لون كانت هي خيانة زوجية . و يحق للزوج طلاق زوجته دون إبداء أي أسباب ، و الشريعة على تنوعها الفقهي لا تعطي للزوجة أى حقوق بمجرد تطليقها أللهم إلا شروطاً سبق إشتراطها أو مؤخر صداق وافقا عليه ، و لسد هذا النقص الشديد اخترع الفقهاء كلّ حسبما ربنا قدره عليه ، بإلزام الزوج بنفقة لزوجته مؤقته ، لم يحدد مدتها و متى تتوقف ( مثلاً عند زواج المرأة مرة أخرى لوجود من يعولها ) ، و هي في الغالب لا تزيد عن مكافأة سنة ، أو نفقة بعدد القروء الأربعة ، إضافة إلى إجتهاد بسنة أخرى تكاليف على الزواج مقابل المتعة و تسمى نفقة متعة .و هكذا انحرف المسلمون عن الميزة التأسيسية للإسلام التى تخصه بالفرادة بين الأديان ، و هى الاعتقاد في مقدس واحد هو إله مطلق فوق الزمان و المكان ، فاعتقدوا في عصمة رجال مثلنا يصل عددهم إلى الآلاف ، فقدسوا الصحابة استناداً إلى حديث : " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " ، و تعريف الصحابي هو من رأي الرسول و لو ساعة ، أي و لو لحظة ، و بهذا يكون تعداد الصحابة المقدسين بالآلاف ، و هكذا استبدل المسلمون جاهلية ما قبل الإسلام ، بجاهلية أكثر نكاية و أشد ضرراً ، تفتك بعقل المسلمين فتكاً ، و عادوا وثنيين ، و أشد ضراوة في وثنيتهم من الوثنيات التقليدية في تاريخ الأديان . بينما الإسلام نفسه كان واضحاً غير ملتبس في قصر القدسية و العصمة على كيان واحد في الوجود هو : الذات الإلهية ، و نعى الوثنيات و الشركيات و الراكنين إلى ما وجدوا عليه آبائهم الأولين ، و خاطب مصطفاه بكل صفات العبد التام العبودية ، و أنه مجرد حامل للرسالة ليس أكثر ، فلا هو رب و لا هو ملك و لا هو معصوم عن بشريته لأن المعصوم هو الكمال الإلهي وحده ، و مع ذلك أعطاه المسلمون أعلى صفات الألوهية و هي العصمة و الكمال ، و هو يناقض تاريخ جدل الوحى مع الواقع و تدخله الدائب لإصلاح مسار أو قررات أو مواقف أو تشريعات ، أخطأ فيها النبي ببشريته و فطرته . فالنبي محمد ( ص ) في صحيح إسلامنا هوعبد من عباد الرحمن و نبي كريم ، أدي رسالة ربه تامة كاملة صافية بيضاء نقية ، و قد خشى النبى ( ص ) من أى قدسية قد تلحقه شخصياً إذا ما حفظ المسلمون كلامه ( حديثه ) إلى جوار القرآن كلمة الله التامة ، لذلك نهى و أكد النهي عن تدوين حديثه و أمر بوضوح : " لا تكتبوا عني سوى القرآن " . و رغم ذلك سمح المسلمون بالتدوين عن نبى نهاهم عن التدوين ( ومانطق عن هوى ) ، بل و اختلاق الأحاديث المكذوبة ونسبتها إلية ، بل وحازت تلك الأحاديث قدسية في المذهب السني ترفعها فوق القرآن كرامة و فعلاً و قدسية ، فقالوا أنها تنسخ آيات القرآن ، كما في إصرارهم على وجوب الاستمرار بالعمل بحد رجم الزاني المحصن استناداً للحديث وحده دون وجود نص في القرآن بهذا الحكم ، و إن كان حد الرجم في الأصل نصاً قرآنياً منسوخاً فالذي نسخه و ألغاه حتى اختفى من القرآن المدون ، هو صاحب القرآن ، رب العزة و الجلالة ، و ليس فقيهاً من الفقهاء ، " قاتلهم الله أني يؤفكون ". كل هذا الرتل مضاف إليه الزي المشيخي أصبح محل هيبة ورهبة و تقديس و عصمة و كمال مطلق ، حتى ألحق المسلمون القدسية بمن لا قدسية لهم من بشر كالصحابة مثل أبي بكر و عمر وعثمان وعلى وغيرهم ، أو كالمحدثين مثل البخاري ، أو الإخباريين كابن كثير ، حتى وصل التقديس إلى مشايخ وعاظ كالشعراوي مثلاً . فأصبحت تقام له المقامات و تعقد له الندوات و تصنع لتاريخه مسلسلات تعيد زمن المعجزات والألطاف الربانية ، المفتراة على رب العزة . ترى . . . هل أهان المسلمون ربهم . . . فأهانهم وخسف بهم و كسف عنهم فصاروا عبرة للأمم عندما تضل بها المسالك إلى المهالك ؟ هذا هو أول
الغيث القاسى و بداية التشخيص الموجع ، في خريطة الطريق نحو الإصلاح