Samstag, September 30, 2006

من هو المثقف؟


يعتبرُ "نعوم تشومسكي" أن المثقف هو من حمل الحقيقة في وجه القوة. والمثقف حسب المفكر البحريني جابر الأنصاري هو من غادر حقل الاختصاص. وفي القرآن أن من يكتم الحقيقة يلعنه الله والملائكة والناس أجمعون. وسر الديمقراطية في المعارضة. ولا معارضة بدون فكر مستقل. ولا استقلالية في التفكير بدون حرية فكر. ولا قيمة لحرية التفكير بدون تعبير. والتفكير بدون تعبير يشبه الكمبيوتر بدون شاشة. وخياطو الفكر العربي اليوم موزعون بين أصناف؛ فمنهم من يرى التفكير حراماً وخطيراً. ومنهم من يرى أنه لا غبار على (التفكير) بحدود، أما (التعبير) فيجب أن يمر من قناة أمنية أو فقهية على المقاس. وعلى (التعبير) أن ينسجم مع أنغام الجوقة. وعلى المفكر أو الكاتب أن يقول قولاً لا يوقظ نائماً ولا يزعج مستيقظاً. وتبقى (فصيلة) شاذة من المفكرين من ترى الحرية على إطلاقها. فيسمح للجميع بحرية التفكير والتعبير والكتابة والنشر والاجتماع والتظاهر وبناء الأحزاب بدون أية قيود. ولكن هذه الفصيلة لا تمثل وزناً أو تياراً يعتد به في المحيط الطامي من الجاهلين. في ثقافة تحرص بدأب على إغلاق مسام الأكسجين عن أية خلية عصبية تفكر. فلا يسمح للمواطن بفتح فمه إلا عند طبيب الأسنان فهذا أدعى للسلامة.
وحسب الكواكبي أن الجماهير يتنازع قيادتها العلماء والطغاة. فمن جهل خاف. ومن خاف أصبح جاهزاً للاستبداد. ومن علم تحرر. وفي الإنجيل تعلموا الحق والحق يحرركم.
وهناك أربعة نماذج للأنبياء: عيسى وموسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام. فأما عيسى عليه السلام فهو نموذج المثقف في وجه التراثيين الحرفيين. وموسى عليه السلام كان نموذج المثقف في وجه الطغيان. فأمره الله بالتوجه إلى فرعون إنه طغى. وكان محمد صلى الله عليه وسلم نموذج المثقف في السلطة فقد صنع مجتمعاً وبنى دولة من الأميين فعلمهم الكتاب والحكمة. وأما سليمان عليه السلام فهو يمثل الروح الإمبراطورية. وكانت ملكة سبأ نموذج السلام الذي طوق التوتر بحكمة يمانية. وأسلمت ليس (لــ) سليمان بل (مع) سليمان (لله) رب العالمين.
والمثقف في العالم العربي اليوم ثلاثة أصناف: المثقف الوهمي والمهاجر والحقيقي: فأما المثقف (الوهمي) فله ثلاث وظائف: (التبرير) و (التخدير) و (التزييف). أي فلسفة الباطل وقلب الحقائق أو لبس الحق بالباطل وهم يعلمون؛ فإذا نطق القائد بتافه من القول وضعه مع معلقات العرب التي يجب أن تكتب بماء الذهب. وإذا ساءت الأوضاع إلى الحد الأعظم وصفها بأنها طبيعة التقدم. وإذا غصت الشوارع بالعاطلين عن العمل قال إنه الاستعمار. وإذا انهارت العملة الوطنية إلى عشر معشارها قال كل العالم في نفس الأزمة. فهذه هي مهمة مثقف السلطة الذي يأكل من مائدة السلطان وينشد الشعر في المناسبات البهية.
وأما المثقف (المهاجر) فهو على نوعين فإما هاجر إلى (الخارج) باتجاه الديمقراطيات الحرة بإقامة وجنسية ولجوء سياسي، وإما هاجر إلى (الداخل) بالانسحاب داخل شرنقة خاصة تحفظ عليه حياته وكرامته في ظروف جفاف صحراء الفكر العربية. وهي حكمة تفعلها الكائنات للبقاء.
ويبقى المثقف (الحقيقي) الذي يرسم مصيره فيقتل بطريقتين: فإما تمت تصفيته جسدياً وإما تم اغتيال أفكاره اجتماعياً في لعبة (الصراع الفكري) كما شرحها مالك بن نبي في كتاب (شروط النهضة). ومن نجا من هذا الويل في الغابة العربية التي تسرح فيها ضواري رجال الأمن وديناصورات السلطة عاش مع أغانيه مثل المجنون. وهذا يشكل استعصاء في حركة تقدم المجتمع لابد من كسره ولكن كيف؟
وهذه الظلمات في العالم يبدو أن حلها واحد من أربعة: فإما الحل العراقي أي الاجتياح الخارجي بعد أن تجمد المجتمع في براد الاستبداد. وإما الانفجار بحرب أهلية مدمرة. وهي وصفة خلاص دخلتها الكثير من الأمم. وإما ولدت نفس عظيمة فولدت الأمة من جديد، وإما دخل المجتمع مرحلة تحنط تقصر أو تطول وهي علامة موت الأمم في التاريخ. ولكل أمة أجل.

Samstag, September 09, 2006

المثقف الكردي..... سلطة الثقافة أم ثقافة السلطة؟

يوسف شيخو
لا شك أنه لا المثقف الكردي (و أحدد هنا المثقف الكردي في سوريا) و لا السلطة الكردية قد أتما دورتهما للوصول إلى الكمال, أقصد الكمال المعرفي بالنسبة للكائن المسمى في أحيان كثيرة تجاوزاً بالمثقف, و كمال امتلاك أدوات الربط و الضبط لدى القوى التي يمكن أن نسميها سلطات كردية. و سننطلق نحن في هذا المقال من قاعدة (حسن الظن) فنعتبر الكتاب الكرد من شعراء و قصاصين و كتاب رواية و كتاب زوايا صحفية....إلخ مثقفين فاعلين, و كذلك سنعتبر الأحزاب الكردية بكل هزالها و شيخوختها و غيبوبتها و جبروت و إرهاب بعضها فضاءات تتكثف فيها السلطة الكردية بكافة صورها!
دور المثقف و صفاته:
بعيداً عن أطر الواقعية الإشتراكية التي عفى على بعضها الزمن, نقول إن المثقف لا بد و أن يلعب دوراً ما في المجتمع لامتلاكه مفاتيح فهم أرقى لما يدور حوله و بالتالي بوسعه إعادة إنتاج هذا الواقع في فضاء معرفي شفاف يمكنه بالتالي رسم صورة مغايرة بل و تغيير لنمط العيش و التفكير و سائر النشاطات الإنسانية حيوية كانت أم معرفية. فلننظر إلى مثقفينا و ما ينتجونه على الصعيد المعرفي.من خلال متابعتنا لحركة كثير من المثقفين وجدنا أن الغالبية العظمى منهم تتصف بخصال مشتركة من أهمها: 1)التزام الصمت: لعل المثقفين الكرد أشد المثقفين التزاماً بالصمت في العالم, فهم مستعدون لقرع طبول الحرب على كل من يتناول نتاجاً من نتاجاتهم بالنقد سواء كان هذا النقد مصيباً أم لا , و هم مستعدون لخوض غمار حروب دونكيشوتية للدفاع عن شرف الثقافة المثلوم و تجنيد كل الطاقات و الإمكانيات المتاحة و غير المتاحة للترويج لنتاج ما من نتاجاتهم الأدبية أو في سبيل إقامة معرض لهم أو أمسية شعرية أو تدبير لقاء تلفزيوني في محطات (الغنم السعيد في آخر الليل) أما إذا تعلق الأمر بالقضايا المصيرية و الحيوية للأمة فتراهم يقلبون شفاههم علامة على تفاهة الموضوع و ربما قال أحدهم: سواء تكلمنا أم سكتنا فالأمر سيان!يجب على هؤلاء المثقفين أن يتذكروا الأسطورة التي تحكي عن أذني الملك الطويلتين اللتين اكتشف حلاق الملك طولهما و لم يقدر على البوح بالسر خوفاً من القتل و لما لم يستطع الاحتفاظ بالسر ذهب إلى نهر و صرخ في القصب قائلاً: أذنا الملك طويلتان!! و تقول الأسطورة إن القصب أفشى السر, فهل نكون أقل جرأة من القصب! كذلك نحيل المثقفين إلى قصة ثياب الامبراطور الشهيرة و الطفل الذي قال الحقيقة و أعلن أن الملك لا يرتدي شيئاً من الثياب!إن سكوت المثقف الكردي عن جرائم السياسي الكردي جريمة سيدونها التاريخ و سيلعن الأحفاد أجدادهم الذين دشنوا بصمتهم عصر الاستبداد الكردي و تخاذل المثقف و خنوعه و سعيه وراء المصالح الشخصية.
2)الجبن: المثقف الكردي جبان ينتمي لفصيلة الأرانب البرية إلا فيما ندر وقد يستطيع المرء تفسير خوفه من سلطات الدولة, أما خوفه من سلطات الأحزاب و مريديها فذلك مما يثير الحيرة. لقد سكت المثقفون الكرد مثلاً عن تعيين السيد جمال نجل الشيخ باقي خلفاً لوالده في استلام المشيخة الحزبية أو المضافة القومية, و لم يلتفت أحد إلى ذلك لا نقداً و لا فضحاً لهذا السلوك المقرف في (تداول السلطة الحزبية) و كذلك فإن تربع الآلهة الخالدين أمثال السيدين حميد حج درويش و صلاح بدر الدين على عرش حزبيهما منذ أن بدأ الله بخلق الأكوان من العماء, لم يكن مثيراً لنقاشات حامية و نقد بناء و فاعل من قبل مثقفينا الذين كانوا مشغولين بمعرفة الأسرار الشخصية لخصومهم من الكتاب و من تجرأ على النقد بادر المريدون إلى تشهير الناقد و إخراجه من الملة بتهمة العمالة و التخريب و الخيانة الوطنية و الارتباط المشبوه و الارتزاق......إلخ
3) الارتزاق: هناك مثقفون مشهود لهم وزنهم الإبداعي على الأقل و لكنك تراهم صامتين خشية أن تطير امتيازاتهم و أكثر ما نشاهد هذه الفئة في أوروبا خاصة بين المثقفين المرتبطين بمؤسسات حزب العمال الكردستاني من مثل القنوات التلفزيونية أو جمعيات و معاهد ليس لها أي قيمة فعلية, فهناك مثلاً رئيس تحرير الجريدة الفلاني و مدير المعهد الفلاني و مقدم البرنامج الفلاني, لا يمكن لهم مطلقاً أن يتجرؤوا على توجيه نقد و لو من طرف اللسان كما يقال إلى التوجهات الجديدة للشيخ عبد الله أوجلان زاعمين أن هذا الأمر خارج عن نطاق اهتماماتهم التي ترقى صاعدة إلى مجد أبدي و تقديم شعر جزل بنكهة رماد الفينيق في الأفق. و هنا ما الفرق بين هؤلاء و مثقفي السلطة في أي بلد ديكتاتوري!!يمكنني هنا أن أقدم نموذجين تاريخيين للمثقف الكردي أحدهما الشاعر الكردي الكبير ملاي جزري و الآخر هو الشاعر الكبير أحمد خاني.يمثل جزري قمة من قمم الشعر الكردي و هو بلا شك يمتلك عبقرية نادرة و قد أكملت القصيدة الكردية في عصره و على يديه دورتها فجاءت كاملة البنيان لا تختلف عن مثيلاتها العربية و الفارسية و العثمانية في شيء, و لكن كيف تعامل الجزري مع السلطة و هي كردية حتماً؟! إننا نجد أن الجزري نرجسي إلى حد التخمة و هو يعتبر نفسة أكبر مستوى من كثير من شعراء الفرس مثل حافظ و فرخي و يدعوبني قومه إلى قراءة شعره و يعتبرهم في بعض القصائد حميراً و ثيراناً, و لكن كيف تعامل مع الأمير الذي هو رأس السلطة آنذاك؟ لقد كتب قصيدتين عصماوين في مدح الأمير أين منهما قصائد المتنبي في مدح كافور و سيف الدولة!! إنه يخاطب في إحداهما الأمير قائلاً:ليكن كل من يتجرأ على مخالفة أوامرك الكريمةمثل شمع تقطعه السيوف و تقرضه المقاريضو ليصبح كل من لا يريد حكم حضرتك من قلبهمثل أهل الشقاء عرضة لقهرك و عذابكوليصبح الذي لا يمدحك و لا يدعو لك بإخلاصسجيناً في قيودك و هدفاً لسهامك.هنا نحن أمام حالة فريدة و سابقة في تاريخ الأدب الكردي دشنت عهد النفاق للسلطة المحلية, فالجزري عملاق شعرياً بلا شك و بما لا يقاس حتى بكثير من المعاصرين و لكنه هنا نموذج سيء للمثقف الذي يمشي في ركاب السلطة بغية تحقيق مكاسب شخصية , ألا تراه يدعو الأمير بصراحة إلى قتل المعارضين و نفيهم و تعذيبهم و سجنهم و ملاحقتهم؟!! أليس هذا عين ما يفعله بعض الساسة الكرد (أمراء العصر) في حق معارضيهم و يسكت على ذلك المثقفون! إذاً هم من طينة الجزري في هذه الناحية و لو أنهم أقل شأناً منه بكثير في جهة الإبداع. إن حديثي هنا لا يعني تحاملاً على شاعر قدم للكرد أجمل ما استطاعت قريحته الخلاقة أن تجود به بقدر ما أريد فضح سلوك ما زال قائماً إلى الآن و آن له أي يزول!على النقيض من الجزري نجد الشاعر أحمد خاني الذي هو أقل شأناً من الجزري من الناحية الإبداعية و لكنه مثقف حر لا يتوانى عن تشخيص الحالة الكردية و التعبير عن حزنه و أسفه لما يفعله الكرد و نقده الجريء للأمير الذي لا يلتفت إلى الأفكار التي يطرحها الخاني و قد وصل الأمر بالخاني إلى الطعن في نسب الأمير في بيت شعري لا يوجد في أغلب نسخ مم و زين, و في بعض القصائد الأخرى يحمل الخاني أمير الكرد مسؤولية كساد سوق الأدب في جرأة يفتقر إليها بعض معاصرينا من مثقفي البلاطات الكردية!!هناك مثقف يكتب في ما يشبه الإسهال الكتابي مقالات يومية في الإنترنيت و هو لا يترك كاتباً إلا و يتعرض له بالنقد و لكن (سبحان الله) نجده بنصف لسان عندما يتعلق الأمر بالأحزاب و قادتها فهو يدور و يدور دون أن يحدد الأسماء و يثير من حوله ضباباً كثيفاً حتى لا يعرف المرء ما الذي يذهب إليه هذا الفيلسوف, كل ذلك من أجل أن يبقى على مسافات قريبة من الأحزاب و قادتها و فضائياتها (التي تعرض الغنم السعيد في آخر الليل).المثقف الكردي مطالب اليوم و ليس غداً أن يكون بمستوى المسؤولية الملقاة على عاتقه, و عليه الرد على الأسئلة التي تؤرق الناس و قبل ذلك عليه أن يثير هو أسئلة الوجود و الحرية لدى المنظمات الكردية قبل أن ينادي بتوفير هوامش الحرية في سوريا و السلفادور و زيمبابوي, عليه أن يحدد موقفه من مجمل الأحداث التي تجري حوله, عليه أن يبدي رأيه على الملأ بشأن الشيخ أوجلان و المناضل أتاتورك الذي تمرد عليه الشيخ سعيد ظلماً و عدواناً فاستحق العقاب العادل من الديمقراطي الأول في تركيا.على المثقفين أن يقولوا لنا هل إن استشهاد الآلاف من شباب و شابات الكرد السوريين على قمم جبال هكاري و جودي و كابار كان عبثاً أم لا و هل أفاد ذلك قضية الشعب الكردي في سوريا أم أضر بها.على المثقفين أن لا يكونوا سلبيين إزاء الحالة السياسية الكردية في سوريا و عليهم أن يقولوا فيما إذا كان تدخل الأحزاب الكردية من خارج سوريا (مثل ح د ك, ا و ك) في مصلحة الشعب الكردي أم لا! و عليهم أن لا يتركوا الأمر في يد الساسة من أنصاف المتعلمين و حملة الابتدائيات و بعض الشهادات الدنيا, عليهم أن يقولوا رأيهم في الأحزاب التي يتم طبخها (في مطابخ الأحزاب الكردستانية ذات الوزن الثقيل) و عليهم أن يؤسسوا لثقافة حرة شجاعة مستقلة عن سطوة الأحزاب و مؤسساتها حتى يمكننا الحديث عن ولادة أول مثقف كردي في التاريخ المعاصر.