Mittwoch, September 26, 2007

مفاهيم للاستهلاك الإيديولوجي

يرفض الكورد السوريون اعتبارهم أقلية إثنية، ويصرّون على الحديث عن حقوق "الشعب" الكوردي في سوريا، وكثيراً ما وردتني انتقادات على استخدامي مصطلح "الأقلية الكوردية" في كتاباتي. فإذا ما عدنا إلى المعاجم الموسوعية، سنجد أنّ الكورد في سوريا ينطبق عليهم مصطلح "الأقلية" دون أن يعبّر ذلك عن موقف سياسي ما، قد يهدف إلى تقزيم المسألة الكوردية.
وفي الآونة الأخيرة، ظهرت مقالات كثيرة، بين أخذٍ وردّ، تحاول تناول المفاهيم ذات الصلة، ولكنها، غالباً ما تفتقر إلى الموضوعية والدقة العلمية، لأنها، في معظمها، تستجيب للمواقف السياسية، أكثر من أن تكون محاولة للعثور على لغة مشتركة، يستحيل الحوار بدونها.
من جهة أخرى، يعمد بعضهم إلى العبث بالمصطلحات، وكذلك بالمعطيات الموضوعية، بهدف تمرير أو تبرير سياسات معينة، كما يفعل بعض المحسوبين على الأنظمة الحاكمة، ليتحدثوا عن "مهاجرين لا يمكن أن يكونوا قومية، أو يشكلوا أمة"، ولا يعدو الأمر عن أن يكونوا قبائل، أو أقوام، في أحسن الأحول، لا يجمعهم شيء، سوى عامل اللغة.في مقالته الأخيرة، في موقع "ثروة"، حاول الدكتور سامر اللاذقاني، مشكوراً، جلاء معنى مصطلح "الأقلية" في تبايناتها المتنوعة، مستشهداً بأمثلة بعيدة عن منطقتنا، تجنباً لما قد يثيره هذا الأمر من حساسية لدى المعنيين.
ولذلك، واستكمالاً لتلك المحاولة، سأحاول، هنا، تحديد بعض التعاريف والمصطلحات المختلف عليها، بين الكتاب والساسة، والتي لمستها بتجربتي الشخصية، أو من خلال مطالعاتي.ربما بسبب قلة المراجع، أو عدمها، يلجأ الدارسون إلى المراجع الغربية، عندما يحاولون توصيف حالة جماعة بشرية ما، فيما إذا كانت: أمة، قومية، جماعة إثنية أو عرقية، أو غير ذلك. ولذلك، فلا بدَّ من الاجتهاد في هذا المجال، بهدف التوصّل إلى صيغةٍ مناسبة ومشتركة، تجنبنا الكثير من المزالق المؤذية.اعتمدت مصطلحات الجغرافيا السياسية في الغرب على التحولات الكبرى التي جرت في أوربا خلال القرون المنصرمة، من أجل صياغة مفاهيم مناسبة، ولكن الأمر مختلف، هنا في الشرق، حيث لاحظ بعض العلماء الغربيين هذا الاختلاف.
فالأمة الغربية إنما نشأت عن الدولة، وبالتالي، فهي لاحقة، والدولة سابقة، في حين أن الأمم لدينا، تعبّر عن حالة تاريخية، تحاول أن تعبّر عن نفسها سياسياً في كيان موحّد "الدولة"، بسبب فشل مجتمعاتنا "الوطنية" في تشكيل ثقافة موحّدة تجمع أطيافها المختلفة، وهو لا يعتبر فشلاً، بقدر ما يمكن اعتباره "وضعاً مقلوباً"، لأنَّ الثقافات أقدم من الدول، وبالتالي فينبغي على الدولة كظاهرة سياسية أن تكون لاحقة للأمة كظاهرة ثقافية، ولذلك نعيش حالة من الكيانية المؤقتة، كما عبّر محمد جابر الأنصاري، فالعرب في انتظار الوحدة العربية في الوطن العربي الكبير، والكورد والآشور في انتظار كوردستان وآشورستان، مما يعيق إعطاء شرعية كاملة للكيان السياسي الحالي (سوريا)، ولهذا بدأت تتعالى الأصوات المنادية بالوحدة الوطنية، والهوية السورية، ولكن: هل هناك ما يمكن أن ندعوه "أمة سورية"؟ ولماذا ينبغي فصل هذه الأمة المصطنعة عن محيطها الطبيعي، فصل العرب والكورد والآشور والأرمن السوريين عن أبناء جلدتهم في المناطق الأخرى؟ ها هنا تحذير من المغالاة في النزعة الوطنية التقسيمية، فأرجو أن يكون هذا مفهوماً.وينطبق الأمر نفسه على مصطلح "القومية"، ففي مقالة له، مؤخراً، قدّم الكاتب السوري ميشيل كيلو اعتراضاً على مقالة أحد الكتاب الآشوريين، عندما راح هذا الأخير يتحدث عن القوميات السورية غير العربية، متسائلاً: كم قومية توجد في سوريا؟وفق منظومة اصطلاحية معينة، يبدو كيلو محقاً، ولكن وفق تعريف آخر للقومية، يصبح مخطئاً. ولذلك يستهجن بعضهم عبارة "دولة متعددة القوميات"، باعتبار أن الدولة هي التي تحدد القومية، ولذلك نسأل ثانية: هل هنا ما يمكن أن نسميه "القومية السورية"؟يقول الباحث جاد الكريم الجباعي: "بما أننا نتحدث عن [الشعب السوري] و[المجتمع السوري]، فلم لا يمكننا الحديث عن (قومية سورية) أو (أمة سورية)؟ يكمن الاعتراض في التعريف الذي تدلّ عليه الكلمة، أو المدلول الذي تشير إليه. يستمد الأستاذ الجباعي مصطلحاته من الدراسات النظرية التي قدمها كل من العروي وسمير أمين وإلياس مرقص، كما يقول، وبالتالي، في هذه الحالة، يمكن الوصول إلى لغة مشتركة. ولكن، بعض الكتاب يقعون في جملة من التناقضات المبكية، بحكم الخضوع للإيديولوجيا، فيخلطون الحابل بالنابل، وهنا يغدو التفاهم شبه مستحيل تقريباً.يتضمن مصطلح "الشعب" التنوع المحدد بكيان سياسي، ولذلك نقول "الشعب السوري"، في حين أن "الشعب العربي السوري"، أو "الشعب الكوردي السوري"، إنما تعبّر عن دعوى إيديولوجية، لأنها تلغي التنوع الموضوعي الموجود واقعياً، والأصح استخدام مصطلح "جماعة إثنية" في الإشارة إلى الإثنيات، أو "القوميات" بحسب بعض المنظومات الشرقية. أما مصطلح "الأقوام" فعربي فصيح، ويشير إلى فرع، لا إلى الكلّ، ولذلك يصحّ استخدامه في إشارة إلى "الأقوام السورية"، ولكن لها دلالة ماضوية، ولا يستخدم في إشارة إلى الحاضر، كما أعتقد.لكن، الأخطر من هذا كله، يكمن في النزعة الاستعمارية لدى بعض الكتاب المنتمين إلى الأكثرية، وذلك عندما يتمّ تجيير بعض المصطلحات التي لها صفة العموم، على الخاص، وهو الأكثرية. ولقد سألني أحد الأصدقاء: كيف يمكنك المساواة بين العرب والكورد في سوريا، في المصطلحات؟ حيث غاب عن ذهنه كثير من المصطلحات لا تخضع للصفة "العددية"، بل حتى عندما نستخدم مصطلح "الأكثرية" فإنما نستخدمه تجاوزاً، لأنَّ هذه الأكثرية تنقسم بدورها، بموجب تصنيفات وخواص أخرى، لتصبح كلها أقليات فيما بينها، لنصل، في يوم من الأيام، إلى الأكثرية الحقيقية، وهي "أكثرية" الإنسان الفرد. ويصبح سكان هذا البلد، الذي يتم حسابهم إحصائياً، بموجب معطيات علم الحساب العددي، أكثرية مواطنية، تقوم على مبادئ المساواة والعدالة، ولتصبح الاختلافات فيما بينهم مكمنثروةٍ ووفرة، لا منبع ضغينة وكراهية.
هفال يوسف، كاتب سوري مهتم بالشؤون الكوردية.

0 Kommentare:

Kommentar veröffentlichen

Abonnieren Kommentare zum Post [Atom]

<< Startseite