Freitag, Juli 27, 2007

سورية ضحية القوموية الشعاراتية والتفكيك الوطني

بقلم: د. عبد الباسط سيدا *
يبدو ان الزمرة المتحكمة برقاب الشعب السوري العزيز على اختلاف انتماءاته وتوجهاته، مصممة على المضي في استخدام خطتها القاضية بتفكيك المجتمع، بل المجتمعات، اذا اخذنا بعين الاعتبار دورها الاقليمي في كل من العراق ولبنان وفلسطين; وتأليب مكوناتها بعضها على بعض بصرف النظر عن الهوية والتوجه، طالما ان الصراعات الداخلية بذاتها تضعف الناس، وتبعدهم عن امكانية التفاهم والاتفاق على القواسم المشتركة في مواجهة سلطة مكشوفة هزيلة امام الخارج، قوية شبحية على الشعب الذي من المفروض انها منه تستمد القوة والمشروعية; سلطة تخلت عن اخر ما تبقى من اوراق الستر الوطني، لكنها ما زالت تخون الوطنيين، وتحكم عليهم بالسنين الطوال، وتسلمهم الى المصير المجهول في غياهب السجون. سلطة تحتضن مركز احياء السنة وتباركه في دمشق; في حين انها تسعى في الوقت عينه لاغواء الناس ودفعهم، رغبة او عنوة نحو تغيير المذهب، وبناء الحسينيات( هذا مع احترامنا لكل المذاهب والطوائف الدينية الاسلامية والمسيحية وغيرها) في المنطقة الشرقية، ضمن اطار لعبة تتقطر كيدا، وتفوح حقدا.
سلطة اسست لاستقطاب طائفي بغيض حاد في لبنان; ارغمت الطوائف على التزام مسار الطائفيين من منتسبيها، هؤلاء الذين تنتهي خطوط هواتفهم الحارة، واجهزة اتصالاتهم اللاسلكية الخاصة جدا في دمشق; ويمتد بعضها عبرها الى طهران. سلطة تجبر الشيعة على الانضواء تحت راية الحليف حزب الله; ولكنها تختلق في الوقت عينه اكثر الجماعات تطرفا بين السنة من دون غيرهم، وتروجها تحت اسماء وهمية ما انزل الله بها من سلطان، مثل جند الاسلام، وفتح الاسلام، وربما رياح او عاصفة الاسلام، والجبهة الشعبية - القيادة الاسلامية، وغيرها من الاسماء التي باتت وبالا على الاسلام والمسلمين، تسيء اليه واليهم، وتوحد بينه وبين مصطلحات التوحش والكراهية والحقد والنفاق والظلامية بكل معانيها.
وقائمة افعال الزمرة المتسلطة في سورية تطول، لاسيما اذا ما انتقلنا الى الحالتين العراقية والفلسطينية، الا اننا سندع ذلك الى مناسبات قادمة، وذلك لافساح المجال هنا امام تناول ما يجري راهنا في منطقة الجزيرة العليا التي تعد جزءا مهما من كردستان سورية، وهي تضم اغلبية كردية، الى جانب العرب والسريان والارمن والجاجان، وربما غيرهم من المكونات السورية الاخرى...فالمنطقة المعنية كانت وما زالت هدفا لجملة سياسات عنصرية، تمحورت حول رغبة اصحاب العقول القاصرة في تغيير الطابع القومي للمنطقة،وذلك عبر اعتماد ركائز ثلاث تتشخص في: التعريب، والحد من الحجم الكردي البشري عن طريق الاحصاء الاستثنائي المثير للاستهجان، وسلب الاراضي بغرض تكوين حزام من المستوطنات الهدف منها زيادة العنصر العربي في المنطقة، وذلك من اجل التحسب لاحتمالات قادمة، الى جانب الفصل بين كرد الجنوب وكرد الشمال في اطار لعبة تنسيق امنية بين الجانبين السوري والتركي. وقد تقاطعت هذه الرغبة مع السياسات الايقاعية التي تتخذها الزمرة الحاكمة في سورية اداة لخلخة المجتمع، وترسيخ بذورالفرقة بين اوصاله، ليتسنى لها التحكم بمصائر الجميع من خلال الامساك بكافة الخيوط، وارغام الكل بمختلف الوسائل على السير ضمن المدارات المحددة.
كما تخضع منطقة الجزيرة، الى جانب ذلك، لسياسة اهمال منهجية، الغرض منها افقار الناس، وارهاقهم بالمتاعب، وتركهم فريسة لهواجس القلق وعدم الاستقرار، والخوف من المجهول القادم. وفي المقابل تتعرض المنطقة ذاتها لنهب عام، يشمل المجتمع والافراد; نهب ابطاله الاجهزة الامنية والبيروقراطية المتسلطة ويتخذ كل الاشكال مثل: التشارك والسرقات والرشاوى والهدر، والى ما هنالك من الاحابيل التي تبتكرها كل يوم ذهنية المهيمنين الذين لا يعرفون حدا للاكتفاء.
وبالاضافة الى كل ما تقدم، تنتهج السياسة الرسمية اسلوب ضرب المكونات القومية في المنطقة بعضها ببعض، وهذا ما يتشخص في اقدام المسؤولين في المحافظة على محاولة ايجاد الفرقة بين كرد المحافظة وعربها وسريانها وهم يعتمدون في ذلك اسلوب دغدغة المشاعر اللاعقلانية، واثارة المخاوف اللاواقعية، وتكوين الاحقاد.
وفي سياق هذا التوجه تاتي الخطوة الاخيرة القاضية بابرام العقود مع 150 اسرة عربية ستجلبها السلطة من الجزيرة السفلى، وربما من مناطق اخرى تقع خارج الحدود الادارية لمحافظة الحسكة بغية اسكانها في المنطقة، وذلك تمهيدا لاستكمال مشروع الحزام سيئ الصيت الذي كان وما زال المنغص الاكبر بالنسبة الى العلاقات العربية -الكردية في المنطقة. واللافت في هذا المجال ان الكثير من فصائل وشخصيات المعارضة السورية لا تولي اهتماما لهذه المسألة; بل على النقيض من ذلك يلاحظ انها - انطلاقا من توجهاتها القوموية قصيرة المدى- توافق على المشروع، وتسعى الى تسويغه عبر مختلف الحجج، الامر الذي يضعف من مصداقيتها، ويقطع الطريق امام تمتين اواصر الثقة معها; وكل ذلك يصادر بطبيعة الحال امكانيات العمل المشترك.
ومن باب التداعي، اذكر هنا مناقشة جرت بيني وبين احدهم ممن يقدمون انفسهم على انهم يعارضون النظام السياسي القائم في سورية، ويدافعون عن حقوق المواطنين، والانسان بصفة عامة، بصرف النظر عن الخلفيات القومية والدينية وغيرها.. فقد جمعتني واياه جلسة عقدت في ضاحية من ضواحي ستوكهولم قبل سنوات، وكانت الجلسة تضم مجموعة من المعارضين السوريين من مختلف المكونات السورية; وقد تمثل الوجود الكردي حينذاك في زميل اخر - حي يرزق- وكاتب هذه السطور. وقد تناولت المناقشات فيما بيننا مسائل عدة; ولكن ما استوقفني في طرح الشخص المعني هنا بالنسبة الى الوضع الكردي في سورية، هو تمترسه خلف عبارات الكياسة والمجاملة، والخلط والتعميمات الخاوية; والتزامه الخلط والتضليل بغية التمييع والمواربة. وما اود ان اورده هنا بخصوص الموضوع الذي نحن بصدده هو ما ذهب اليه - بما معناه- قائلا: وما المانع من منح الاراضي السورية للمواطنين السوريين المتضررين، فلكل مواطن الحق في الحصول على التعويض من الدولة، مقابل الضرر الذي يتعرض له نتيجة المشاريع العامة.
كم كنت اتمنى في تلك اللحظة ان يقوم بالرد على المذكور احد الحاضرين من غير الكرد، الامر الذي لم يحدث بكل اسف; لذلك وجدت ان الواجب يلزمني بالرد، وهكذا فعلت. قلت لصاحبي "المعارض بمقادير محسوبة": انني اوافقك الراي تماما على ان المواطنين سواسية. ومن حق الكل الحصول على التعويض المناسب العادل مقابل الضرر الذي تعرضوا له; ولكن اذا كانت الدولة ذاتها تحارب قسما من مواطنيها بفعل انتمائهم القومي المختلف، تسعى الى الغاء خصوصيتهم، تهمل مناطقهم وتنهبها، تاخذ منهم الجنسية من دون وجه حق، وتمنعها عنهم من دون وجه حق. تمارس التعريب بحقهم، تبعدهم بناء على سياسة عنصرية عن السلطات الثلاث، كما تحرم عليهم الوظائف والبعثات الدراسية، وتسلبهم الاراضي وتقوم بمنحها لمواطنين اخرين تاتي بهم من مناطق اخرى ضمن اطار خطة واضحة مكشوفة لتغيير الطابع القومي في المنطقة; اننا اذا اخذنا كل ذلك في حسابنا، فان الامور ستتسم بطابع اخر بعيد عن الصورة الوردية المجردة التي تحاول ان تسوقها لنا هنا.
ماذا سيكون موقفك فيما لو قامت سلطة مفترضة ذات توجه كردي بسلب الاراضي من الفلاحين العرب في منطقة حوران، وذلك لتوطين فلاحين كرد فيها تعرضت اراضيهم للغمر والاستيلاء لاسباب عامة، الى جانب الرغبة في تحوير الطابع القومي للمنطقة؟ هل ستقبل بالامر، خاصة اذا عرفت ان الخطوة تدخل في عداد مخطط شامل، يستهدف تكريد المنطقة؟
ان ما نواجهه هنا يتجسد في سياسة شوفينية عنصرية، لا تخدم المصلحة الوطنية السورية، علينا ان نرفضها، ونرفض نتائجها، لنتمكن من التفاهم والتواصل والعمل المشترك.
وتوقف النقاش بيننا عند هذا الحد، بعد ان ادرك كل طرف ان عبارات الاطراء والدبلوماسية لن تتمكن من تجاوز ايلامية الواقع المشخص الذي تستوجب مواجهته الجراة والصدق الوطنيين; هذا اذا كنا نرغب في بناء اواصر الثقة بين كل مكونات النسيج الوطني السوري، والتمهيد لعمل وطني شامل. وبهذه المناسبة اضع هذا الموضوع امام الاخوة في المعارضة السورية للتأمل والتمعن واتخاذ اللازم.
اما بالنسبة لنا نحن معشر الكرد فعلينا ان نستفيد من تجاربنا السالفة، وندرك تمام الادراك ان قضية الارض مصيرية بموجب سائر المقاييس، قضية لا تقزم بالبيانات المناسباتية، ولاتحل بالوعود الخاوية; بل لا بد من التحرك وفق خطة متكاملة على مختلف الصعد; خطة تجمع بين العمل السياسي والشعبي والاكاديمي التوثيقي والحقوقي والاعلامي. ولكن الاهم من هذا وذاك هو ان يتنحى المعرقل جانبا او يُستبعد; وان يقرر العاجز بنفسه ترك زمام المبادرة لاصحاب الشان. فالفلاح الكردي الذي اعتبر دائما ارضه في مقام عرضه; ولم يتمكن الغزاة على امتداد العصور من ضرب العلاقة الحميمة بينه وبين معشوقته - الارض، قادر على حمايتها مجددا، خاصة وانه محاط هذه المرة بالالاف المؤلفة من الشباب المثقف الواعي من ابنائه وبناته، اخوته واخواته ممن يدركون ان الدنيا قد تغيرت، وان الصلاحيات المطلقة لم تعد ممنوحة للمستبدين الذين كانوا فيما مضى يفترسون الضحية، ويكبتون انفاسها في الوقت ذاته.
__________
* كاتب كردي سوري

0 Kommentare:

Kommentar veröffentlichen

Abonnieren Kommentare zum Post [Atom]

<< Startseite