Montag, April 09, 2007

عُرْسُ بغل

صالح القلاب
لا زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي الى دمشق حققت ما أراده المضيفون الذين كانت غبطتهم بها بعرض السماء والأرض والتي اعتبروها بمثابة فتح عمورية هذا العصر ولا اختطاف البحارة البريطانيين وسوقهم الى طهران أسرى حربٍ معصوبي العيون وأيديهم فوق رؤوسهم حقق ما أراده الحرس الثوري الإيراني الذي هو: الكل بالكل في إيران الثورة.
فما أن عادت بيلوسي من رحلتها الميمونة الى بلادها حتى استقبلتها عاصفة شتائم وانتقادات هوجاء وصفت ما قامت به بأنه دبلوماسية حمقاء فأُجبرت على التخلي عن وصفها للطريق الى دمشق بأنها طريق السلام وعلى التأكيد أنها لم تقل خلال زيارتها هذه إلا ما يقوله الرئيس جورج بوش وأنها تحدثت مع المسؤولين السوريين بكل صراحة وأنها طالبتهم بوقف دعم الجماعات المتطرفة وعدم فتح حدود بلادهم مع العراق للإرهابيين وبالابتعاد عن إيران ومحمود أحمدي نجاد وبعدم التدخل في شؤون لبنان الداخلية.
وكذلك وما أن عاد البحارة البريطانيون الى بلادهم حتى تراجعوا عن كل ما قالوه في طهران من تصريحات بثها التلفزيون الإيراني..فهم اختطفوا من المياه الإقليمية العراقية وليس الإيرانية وهم تلقوا معاملة سيئة ومورست عليهم ضغوطات قاسية ولم يتمتعوا بأي حسن ضيافة!! وأيضاً وفوق هذا فإن توني بلير عاد ليعلن أنه لم يرسل بأي اعتذار رسمي للإيرانيين وذلك في حين أن حلفاءه في واشنطن لم ينظروا الى الإفراج عن هؤلاء البحارة على أنه مكرمة إيرانية أو مبادرة حسن نية وهؤلاء قالوا على لسان الناطق بلسان مجلس الأمن القومي غوردون جوندرو: إن هذا الإفراج لا يعكس تغييراً في المواقف وأنه على إيران تعليق أنشطتها النووية وإظهار المزيد من الإنسجام مع الأسرة الدولية.
إذن لماذا لجأ الإيرانيون الى هذه الحركة المسرحية.. ولماذا حملَّت دمشق زيارة بيلوسي إليها أكثر مما تحتمل..؟!.
اعتبر الكاتب الإيراني المخضرم أمير طاهري، الذي كان في عهد الشاه السابق رئيس تحرير أهم صحيفة إيرانية تصدر باللغة الإنكليزية، أن هدف عملية خطف البحارة البريطانيين الحقيقي هو التغطية على حملة تصفيات جديدة سينفذها اليمين المتطرف بقيادة محمود أحمدي نجَّاد ودعْم مرشد الثورة علي خامنئي ضد تيار الليبراليين والإصلاحيين الذين حاولوا في الفترة الأخيرة اغتنام الظروف وإعادة تنظيم صفوفهم.
والمعروف على هذا الصعيد ان كثيرين في إيران وفي خارجها يعتقدون بأن هدف النفخ في الملف النووي بطريقة استعراضية مفتعلة هو تجميع الأمة الإيرانية حول قضية قومية رئيسية واحدة وهو تأمين سيطرة المتشددين، بقيادة محمود أحمدي نجاد الذي أصبح رمز الإصرار على إنجاز مشروع القنبلة الذرية، على الشارع الإيراني والقضاء قضاءً نهائياً على الليبراليين والإصلاحيين والمتنورين الذين ازدادت أعداد الفارين منهم بجلودهم الى خارج جمهورية الوليِّ الفقيه.
إنه عُرْسُ بغل، وفقاً للروائي السوداني المبدع الطيب صالح، إذْ أن إنجازات زيارة رئيسة البرلمان الأميركية الشامية قد تبخرت قبل ان تعود صاحبتها الى بلادها وذلك في حين ان اختطاف البحارة البريطانيين قد عزز ترويج الدوائر الغربية، السياسية والإعلامية والاستخبارية، لفكرة أن إيران دولة مارقة وأنها تتصرف بالطريقة نفسها التي تتصرف بها القاعدة.. وهكذا فإن الشيء انقلب الى ضده.. وأن الحركة المسرحية هناك وهناك كانت بالفعل مجرد عُرْسُ بغل.

0 Kommentare:

Kommentar veröffentlichen

Abonnieren Kommentare zum Post [Atom]

<< Startseite