Mittwoch, Februar 06, 2008

ظاهرة الحقد والعدوانية في المجتمعات المتخلفة

إن العنف والقهر الذي يتعرض له الإنسان في المجتمعات المتخلفة، يولد لديه نوعاً من الخيبة والانكسار والعجز من تغير الواقع المستبد الذي يتعرض له.
ومع الزمن تبرز آثارها النفسية المدمرة على كينونة الإنسان وعبر أشكال متعددة من الحقد والعدوانية ضد الآخرين. الإنسان الذي تعرض لحالة القهر والعنف لمدة طويلة، تجده مستفزاً بشكل دائم ويتصرف بعدوانية تختلف وتيرتها، باختلاف آثار العنف والقهر الناخرة لذاته. فالعدوانية هي تعبير عن الحقد الكامن في الذات المقهورة لأمد طويل، وما لم يتم طرحها إلى خارج الذات عبر افتعال (المعارك والشجارات) في محيطه ستلحق الأذى الكبير بالكينونة ذاتها.ويرى ((أنطونيني))" أن هناك في كل الحالات تقريباً جهداً لطرد العدوانية إلى خارج الذات بغرض نفيها والتعامي عنها وعدم بقاءها في الذات. فاكتشاف الحقد الكامن في الذات يسبب حالة من القلق، والبحث عن الشر عند الآخرين، كمحاولة لنفي الشر عن الذات". وهناك مسببات عديدة لتراكم الحقد في الذات منها حالة العجز التي يصاب بها الإنسان المقهور، لعدم قدرته على تغير واقعه. وكذلك حالة الفشل في خوض التنافس الاجتماعي، مما يسبب نوع الإحباط ويولد حالة من الحقد ضد الآخرين.كما أن حالة الشعور الدائم بالدونية والنسب الوضيع والشكل القبيح والتحصيل العلمي المزيف وعقدة النقص.. كعوامل ذاتية، إضافة إلى العوامل القهرية الأخرى تؤدي إلى حالة من الشلل في القدرة على تحقيق الذات. وهذا يؤدي بدوره إلى حالة من الشعور بالذنب والتأنيب للضمير مما يمهد الطريق لظهور نوازع من الحقد الكامن في الذات ضد المجتمع باعتباره المسؤول المباشر عن حالة الفشل والإحباط والحط من قدرة الكينونة وفشلها في إيجاد دوراً لها في المجتمع.إن تلك المواصفات السلبية حينما تنغرس في كينونة الإنسان المقهور، يصبح سهل الانقياد من قبل مجموعات الشر. ويتم توظيف عدوانيته في محاربة أصحاب النسب الرفيع والمرتبة الاجتماعية المرموقة والمستوى العلمي المشهود..لأجل تحقيق التوازن النفسي والإقناع الكاذب للذات بأنها لاتقل شأناً عن مستوى النخبة في المجتمع!. ويعبر ((يونج)) عن تلك الحالة من الشعور بالذنب قائلاً:" لايشعر المرء بالذنب أثر ارتكابه لفعل ممنوع حسب، بل أيضاً عندما لايستطيع تحقيق ذاته وفرض شخصيته في المجتمع. وهذا الشعور بالذنب هو الذي يولد حالة من العدوانية غير المحدوة ضد الآخرين".ويمكن رصد الحالة العدوانية متأصلة بشكل أكبر في عناصر القاع في المجتمع، كونهم يشعرون في اللاوعي أنهم خارج حدده ومرفوضين اجتماعياً. وهذا الشعور يدفعهم أكثر، لخرق القانون والتجاوز على الأعراف الاجتماعية.لذا فأن تصرفاتهم وسلوكهم، يبدو في أغلب الأحيان شاذاً ومنافي للأعراف الاجتماعية ومنتهكاً للقانون. وكلما شعر هؤلاء بالهوة التي تفصلهم عن المجتمع، كلما زادت وتيرة الحقد لديهم وبالتالي عدوانيتهم ضد المجتمع.وهذا الأمر أيضاً يدفعهم أكثر نحو التعبير اللاإرادي عن حالة الحقد الكامنة في ذواتهم من خلال إبراز عدوانيتهم ضد الآخرين. وتظهر التصرفات العدوانية أكثر في داخل الوسط أو البيئة المعزولة اجتماعياً (أي بين أفراد المجموعة ذاتها) بغرض إخضاع بعضهم للبعض الآخر، مما يسفر عن تشكيل (عصابات) منظمة (إلى حد ما) تسعى لإخضاع مجموعات أخرى من ذات الوسط لهيمنتها وسطوتها وعبر استخدام أساليب من التهديد والإساءة والعنف. وعندما تعجز القوة (أو تتساوى) عن إخضاع المجموعات المتماثلة، تتحالف فيما بينها على فعل الشر ضد المجتمع. هذا الاصطفاف في مجتمع القاع (عالم الجريمة) المدفوع بهواجس الحقد والعدوانية عندما يأخذ شكله المفترض من التنظيم (المافيا) في المجتمعات المتخلفة، يبحث عن مظلة قانونية لحمايته من خلال إيجاد شكلاً من أشكال العلاقة مع أجهزة القمع (الشرطة، أو الأجهزة القمعية الأخرى) لتقاسم أرباح تجارة الممنوعات من المخدرات والأسلحة..وغيرها.أو بغرض تبادل المصالح المشتركة حيث تعمد سلطة الاستبداد للتغاضي عن جرائم عصابات القاع ضد المجتمع مقابل تكليفهم بتنفيذ مهمات قذرة كالاعتداء بالضرب والإهانة أو لتصفية المعارضين جسدياً لحساب السلطة. بغرض تبرئة سلطة الاستبداد من تلك الانتهاكات والجرائم واعتبارها جنح ارتكبتها العناصر الخارجة عن القانون ضد المعارضين، ولاتأخذ طابعاً سياسياً، يمكن أن تستثمرها الجهات المعارضة ضد السلطة. وفي حالة افتضاح أمرهم وعملهم لحساب السلطة، يتم تصفيتهم لإخفاء أي أثر لجرائم السلطة. ومن خلال تبادل المصالح بين عصابات الجريمة المنظمة وسلطة الاستبداد للانتقام من المجتمع. تحقق سلطة الاستبداد غايتها البعيدة المدى، وهي إشغال المجتمع بالدفاع عن نفسه ضد عصابات الجريمة المنظمة. وبنفس الوقت كسب ولاء قطاعات واسعة من المجتمع لجانب الدولة لطلب الحماية لردع تلك العصابات وتحقيق الأمن.وحينها تشن سلطة الاستبداد حملة (صورية) على عصابات الجريمة المنظمة، وتجري تصفيات جسدية علنية لبعض أفرادها لغرض تكريس الاعتقاد لدى العامة من الناس، بأن السلطة قادرة على حماية المجتمع. وما تمارسه من استبداد وعنف، لايعدو سوى رد فعل ضد الخارجين على القانون. وبنفس الوقت تدخر رؤساء تلك العصابات لمناسبات أخرى، بغرض تنفيذ مهمات قذرة ضد المجتمع من أجل تعزيز سلطتها ولأمد غير محدود. تلك هي إحدى الأساليب الخسيسة التي تلجأ إليها سلطة الاستبداد لابتزاز المجتمع وإخضاعه بشكل قسري، من خلال تقليص الخيارات على المجتمع وإجباره على القبول بنهجها التعسفي والظالم مقابل توفير الأمان له!.ويتعاظم دور عصابات الجريمة المنظمة أكثر في ظل غياب سلطة القانون أو ضعف أجهزة السلطة القمعية أو فسادها، مما يؤدي إلى تعدد السلطات داخل المجتمع. بالنتيجة تعم الفوضى ويختل الأمن، وهذه الحالة الأمنية الشاذة تضع المجتمع وجهاً لوجه مع عصابات الجريمة المنظمة. وتلجأ فئات المجتمع لاستخدام العنف المضاد للدفاع عن نفسها، مما يؤدي لتنامي حالة الحقد المضاد ضد عصابات الجريمة المنظمة وأداء السلطة الضعيف. ويخلق البيئة المناسبة لنمو السلوك العدواني بين أفراد المجتمع.ويعتقد ((مصطفى حجازي))" إن السلوك الجامح دوماً مؤشر، يتجسد في تصرف بعض الأشخاص الخارجين عن القانون للدلالة على ما يكمن باطنياً في بنية المجتمع من اضطراب وعدوانية كامنة قابلة للانفجار في ظروف معينة. وكلما زاد حجم التصرفات الجانحة، كلما زاد احتمال انفجار العنف بشكل أكبر لأن الأزمة الكامنة في بنية المجتمع تمر بمأزق حقيقي".عموماً أن حالة الحقد الملازمة للإنسان المقهور، وما ينتج عنها من عدوانية تطال محيطه. يمكن إرجاعها إلى دوافع بيولوجية يختص بها الإنسان دون الحيوان، مع الأخذ بعين الاعتبار شروط نموها وتحولها المفترض نحو العدوانية. إن الأسباب الكامنة وراء تنامي الحقد لدى الإنسان، ليس لها ما يسندها في عالم الحيوان لأن تنافس الحيوانات فيما بينها يعود لدوافع أخرى لاتترك أثراً لتنامي الحقد. لكنها لاتخلوا من عدوانية بسبب التنافس على تحقيق الغزائر الطبيعية، وتتلاشى تلك العدوانية بين أفراد المجموعة ذاتها حال خضوع الطرف الضعيف منها إلى الطرف القوي.ويصف ((أنطونيني)) الفارق بين عدوانية الإنسان والحيوان قائلاً:" أن الحقد هو أهم ما يميز عدوانية الإنسان عن عدوانية الحيوان، فليس هناك حقداً بين الحيوانات، كما أنها لاتصل أبداً إلى درجة الاستغلالية عند الإنسان. فالحقد هو عدوانية تتجاوز حدودها البيولوجية لتصل إلى حالة نفسية خاصة".ولتخفيض وتيرة العدوانية بين أفراد المجتمع، يتطلب إجتثاثاً لمسببات الحقد كـ ( حالة القهر والتعسف...) التي يتعرض لها الإنسان في المجتمعات المتخلفة. بالإضافة إلى مكافحة الأمية والجهل والفقر وإزالة الفوارق الطبقية غير الطبيعية بين أفراد المجتمع والناتجة عن حالات الاستغلال غير الإنسانية للفئات المسحوقة في المجتمع.إن إحقاق العدالة والمساواة في المجتمع، كفيلاً بانتزاع مبررات الكراهية والحقد واللجوء للعنف والعدوانية لتحقيق الذات المستلبة. وهذا الأمر يتطلب سلطة قوية وعادلة، تفرض القانون على سائر فئات المجتمع دون استثناء وتعيد ثقة المواطن بالدولة كراعية لمصالح المجتمع.

0 Kommentare:

Kommentar veröffentlichen

Abonnieren Kommentare zum Post [Atom]

<< Startseite